للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتاب الله - صلى الله عليه وسلم - وسُنَّةِ رسوله - صلى الله عليه وسلم -، كما ينبغي عليه أن يكون حينئذٍ منشرح الصدر راضيًا بما حَكَمَ به الله سبحانه وتعالى، وكذلك أن يُسَلَّمَ تمام التسليم لهذا الحُكم الإلهي وينقاد له، مُعتقِدًا أن الحق فيه لا في غيره، عالِمًا أن هذا هو شرع الله الذي قال في كتابه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٨٥)} [آل عمران: ٨٥].

* قوله: (فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِمَكَان هَذَا المَفْهُومُ أَنَّ مَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا أَبَاحَهُ اللَّهُ لَهُ بِالشَّرْعِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُه، كمَا لَا يَلْزَمُ إِنْ نَذَرَ تَحْلِيلَ شيءٍ حَرَّمَهُ الشَّرْعُ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢]، أَثَرُ العَتَبِ عَلَى التَّحْرِيمِ يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ الكَفَّارَةُ تَحُلُّ هَذَا العَقْدَ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ، وَالفِرْقَةُ الأُولَى تَأَوَّلَتِ التَّحْرِيمَ المَذْكورَ فِي الآيَةِ أَنَّهُ كَانَ العَقْدُ بِيَمِينٍ (١). وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الشَّيْءِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الآيَةُ (٢)، وَفِي كِتَابِ مُسْلِمٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي شَرْبَةِ عَسَلٍ) (٣).

ومدار الكلام هو قوله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم: ١، ٢].


(١) يُنظر: "المبدع في شرح المقنع" لابن مفلح (٨/ ٧٤، ٧٥) "حيث قال: " (وإن حرم أمته، أو شيئًا من الحلال) كطعام ولباس ونحوهما، سوى الزوجة (لم يحرم) على المذهب؛ لأنه تعالى سماه يمينًا بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم: ١] إلى قوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُم}. واليمين على الشيء لا تحرمه، فكذا إذا حرمه، ولأنه لو كان محرمًا لتقدمت الكفارة عليه، كالظهار، ولم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بفعله، وسماه خيرًا، (وعليه كفارة يمين إن فعله) نص عليه، لقوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}، يعني: التكفير".
(٢) قال الماوردي: "اختلفت الرواية في الذي حرمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على نفسه فروى الأكثرون، أنه حرم مارية". انظر: "الحاوي الكبير" (١٥/ ٤٦١).
(٣) بل وجاء ذلك في البخاري أيضًا كما سيأتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>