للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (بَيْنَ ابْنَتَيْهِ، فَسَأَلَ عَنْه، فَقَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ"، وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ. وَهَذَا أَيْضًا ثَابِتٌ) (١).

هذا الرجل المذكور في الحديث إنما قد شَقَّ على نفسه بإلزامها ما لم يجب عليها بالشرع؛ فإذا به يهادَى بين ابنتيه حتى يُتِمَّ ذلك النَّذْرَ الذي أَلْزَمَ به نفسَه، واللّه سبحانه وتعالى غنيٌّ عن تعذْيب عباده؛ فحينما حَدَّ اللَّهُ الحدودَ وفَرَضَ الفرائض وبَيَّنَ المنكَرات الواجب اجتنابها راعى فيها اليُسْرَ وعدم المشقة؛ ولذا فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا رأى ذلك وَضَّحَ أنَّ هذا ليس مرادَ الشرع وأن الله عز وجل غنيٌّ عن هذا، وأَمَرَ الرَّجُلَ بسلوك الطريق الذي ينبغي سلوكُهُ في طاعة الله سبحانه وتعالى.

وقد سَبَقَ أن ذَكَرْنَا حديثَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ النَّذْرَ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ" (٢)؛ ولهذا فإن العلماء قد اختلفوا في حُكْمِ النذر، فيما إذا كان مباحًا أم مُستَحَبًّا أم مكروهًا.

- فكثيرٌ مِن العلماء ذهبَ إلى أنه مكروهٌ؛ لأن هذه هي أقل درجاته عندهم.

- ومِن العلماء مَن ذَهَبَ إلى أنه مباحٌ؛ لأن الإنسانَ يجوز له أن يُخْرِجَ ما يجب عليه إخراجُه من مالٍ أو عبادةٍ أو سائر أنواع الطاعات دون أن يُلزِمَ نفسَه بهذا (٣).

قوله: (المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفُوا - بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى لُزُومِ المَشْيِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ - فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، يُرِيدُ بِذَلِكَ الصَّلَاةَ فِيهِمَا).


(١) أخرجه البخاري (١٨٦٥)، ومسلم (١٦٤٢) لكن بلفظ: "ابنيه".
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) سبقت هذه المسألة.

<<  <  ج: ص:  >  >>