للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد مَرَّ معنا أنه لا خلاف بين أهل العلم في وجوب المشي في الحج أو العمرة في حق مَن نَذَرَ ذلك، والآن يشير المؤلِّفُ إلى أن الخلاف بينهم إنما هو فيمن نَذَرَ المشيَ إلى مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو إلى المسجد الأقصَى بقصد الصلاة في أيٍّ منهما، والحقيقة أن هذه المساجد الثلاثة - المسجد الحرام، ومسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والمسجد الأقصى - قد وَرَدَ النَّصُّ ببيان فضلها على غيرها من المساجد، إلا أن هناك تفاوُتًا بينها في الدرجات، فأفضلها مَنْزلَةً هو المسجد الحرام، ثم المسجد النبوي، ثم المسجد الأقصى (١).

فَمَنْ نَذَرَ المشيَ إلى أحد هذه المساجد إنما هو يَنذِرُ أن يأتيَهُ لِيُصَلِّيَ فيه، والصلاة في هذه المساجد إما أن تكون صلاةً مفروضةً أو صلاةً غَيْرَ مفروضةٍ، ومن هنا نشأ الخلاف بين أهل العلم في هذه المسألة، فيما إذا كان الناذِرُ نَذَرَ أن يصلي في هذه المساجد صلاةً مفروضةً أم غير مفروضةٍ (٢)، وهذا الخلاف يتعلَّق بخلافٍ سابقٍ، وهو اختلاف العلماء فِيمَن نَذَرَ على نفسه شيئًا واجبًا (٣)، كمن نَذَرَ أَن يصلِّيَ صلاةَ الظهر أو صلاة العصر، مما يتوجب عليه أداؤه سواءٌ نَذَرَ ذلك أو لم يَنذِرْهُ؛ فيما إذا كان يَلزَمُهُ مع أدائها كفارةٌ أم لا، وهو خلافٌ يحتاج إلى مزيد بيانٍ، وسوف يتعرض المؤلف له فيما يأتي.

وتجدر الإشارة هاهنا إلى أن هذه المساجد إنما تُقصَدُ وتُشَدُّ الرحال (٤) إليها دون غيرها من المساجد من أجل الصلاة فيها؛ لقول


(١) أخرجه البزار في "مسنده" (١٠/ ٧٧) عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال؛ قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة، وفي مسجدي ألف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة". والحديث ضعيف. انظر: "السلسلة الضعيفة"، للألباني (٥٣٥٥).
(٢) ستأتي.
(٣) سبقت.
(٤) الرِّحال: جمع رَحْل، وهو مَرْكَب البعير؛ أي: محل الركوب المنسوب للبعير. انظر: "حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني" (٢/ ٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>