للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (وَأكْثَرُ النَّاسِ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ لِمَا سِوَى هَذِهِ المَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لَا يَلْزَمُ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لَا تُسرَجُ المَطِيُّ (١) إِلَّا لِثَلَاثٍ"، فَذَكرَ المَسْجِدَ الحَرَامَ، وَمَسْجِدَه، وَبَيْتَ المَقْدِسِ) (٢).

وهاهنا مأخَذٌ آخَرُ نأخذه على المؤلِّفِ - عفا الله عنه -: وهو استشهادُهُ بهذا الحديث الذي أخرجه أبو داود في "سُنَنِهِ" (٣)، مع وجود حديثٍ آخر في "الصحيحين" وهو قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدُ الحَرَام، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالمَسْجِدُ الأَقْصَى" (٤). فالحديث الأول صحَّحَه بعضُ العلماءِ ووَثَّقُوا رُواته، وأَعَلَّهُ بعض العلماء الآخرين (٥)، فكان الأَوْلَى بالمؤلِّفِ أن يَستشهِدَ بالحديث المتَّفَق عليه.

فهذا من المآخذ التي تؤخَذ على مؤلِّفِ الكتاب: أنه أحيانًا يَستَدِلُّ بحديثٍ ضعيفِ السَّنَدِ أو حديثٍ ليس في "الصحيحين" مع وجودِ حديثٍ آخَرَ فيهما صريحٍ في المسألة، وأنه كذلك يأتي أحيانًا بأدلةٍ عقليةٍ مع وجود أدلةٍ نقليةٍ.

أما قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُسْرَجُ المَطِيُّ"، فمعناه: لا يوضَعُ السَّرجُ (٦) على المطِيِّ إلا لهذه المساجد الثلاثة.


(١) قال ابن الأثير: "أي: لا تُحَثُّ وتُساق. يقال: أَعْمَلْتُ النَاقَةَ فعَمِلَت، وناقةٌ يَعْمَلَة، ونُوقٌ يَعْمَلَات". "النهاية في غريب الحديث والأثر" (٣/ ٣٠١).
(٢) أخرجه النسائي (١٤٣٠) وغيره، ولفظه: "لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجدة المسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد بيت المقدس". وصححه الألباني في "التعليقات الحسان" (٢٧٦١).
(٣) هذا اللفظ ليس في "سنن أبي داود".
(٤) تقدَّم تخريجه.
(٥) الذي أعله العلماء رواية أُخرى ذكر فيها مسجد الخيف بدلًا من المسجد الأقصى. قال الذهبي: "خثيم بن مروان، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال البخاري: سمع منه كلثوم بن جبير: "لا تشد المطي إلا إلى مسجد الخيف، ومسجدي، ومسجد الحرام". لا يتابع في مسجد الخيف. ولا يعرف لخثيم سماع من أبي هريرة. وقال الأزدي: ضعيف". انظر: "ميزان الاعتدال"، للذهبي (١/ ٦٥٠).
(٦) السُّرج: جمع سِراج، وهو المصباح. انظر: "مطالع الأنوار"، لابن قرقول (٥/ ٤٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>