للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما بالنا بِمَنْ يَشُدُّونَ الرِّحالَ إلى قُبورِ مَن يَدَّعُون أنهم أولياء أو صالحون، فَيَزُورُونَهُمْ رَجَاءَ أنْ يَنفَعُوهم أو يَدفَعُوا عنهم الضُّرَّ ويَكشِفُوا عنهم ما نَزَلَ بهم مِن المُلِمَّاتِ (١)؟!

لا شكَّ أن هذا كله لا يجوز؛ لأن هذه الأُمور كلها إنما هي بيد الله سبحانه وتعالى وحده، لا بيد أحدٍ من خَلقِهِ؛ ولهذا حَذَّرَ اللَّهُ عبادَه من هذا ونهاهم عنه بقوله سبحانه وتعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (٦٠)} [غافر: ٦٠].

وقوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥)} [الأحقاف: ٥].

قوله: (وَذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إِلَى أَنَّ النَّذْرَ إِلَى المَسَاجِدِ الَّتِي يُرْجَى فِيهَا فَضْل زَائِدٌ وَاجِبٌ (٢)، وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِفَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ لِوَلَدِ


(١) أي: النوازل. يقال: أصابته ملمة من ملمات الدهر؛ أي: نازلة من نوازله. انظر: "أساس البلاغة"، للزمخشري (٢/ ١٨٢).
(٢) قال بهذا بعض المالكية، شريطة أن تكون قريبة منه.
يُنظر: "المعلم بفوائد مسلم"، للمازري (٢/ ١٢٤)؛ حيث قال: "وإن نذر إتيان غير هذه المساجد الثلاثة فلا يأتي إليها إذا لم يكن ببلده. قال بعض أصحاب مالك: إلا أن تكون قريبة على أميال يسيرة فيأتيها، وإن نذر أن يأتيها ماشيًا أتى ماشيًا كما قال. ورأى أن ذلك خارج عن شد الرحال المذكور في الحديث، قال ابن حبيب مثل: أن ينذِر صلاة في مسجد بموضعه ومسجد جمعته والذي يصلي فيه. وألزم ابن عباس المدني إذا نذر الصلاة بمسجد قُبَا أن يأتيه. واحتج لهذا ابن حبيب بما ذكره مسلم بعد هذا لأنه عليه السلام كان يأتيه كلّ سبت".
ومذهب الجمهور، على أنه إذا نذر المشي ونحوه إلى غير المساجد الثلاثة فإنه لا يلزمه ذلك وأنه يصح أن يقوم به في موضعه.
يُنظر في مذهب الأحناف: "بدائع الصنائع"، للكاساني (٥/ ٨٣)؛ حيث قال: "والأفعال التي يوجبها على نفسه شبه ألفاظ المشي والخروج والسفر والركوب والذهاب والإياب؛ فإن أوجب على نفسه شيئًا من هذه الأفعال وأضافه إلى مكان يصح دخوله فيه بغير إحرام لا يصح إيجابه؛ لأنه أوجب على نفسه التحول من مكان إلى مكان، وذا ليس بقربة مقصودة، ولا يصح النذر بما ليس بقربة". =

<<  <  ج: ص:  >  >>