للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (فَمَنْ قَالَ: لِمَوْضِعِ صَلَاةِ الفَرْضِ؛ وَكانَ الفَرْضُ عِنْدَهُ لَا يُنْذَرُ إِذْ كانَ وَاجِبًا بِالشَّرْعِ قَالَ: النَّذْرُ بِالمَشْيِ إِلَى هَذيْنِ المَسْجِدَيْنِ غَيْرُ لَازِمٍ).

سبب الخلاف هاهنا: هو اختلاف العلماء فيما إذا كانت الكفارةُ تَلزَمُ في نذر الواجبات أم لا تَلزَمُ (١).

والمؤلِّفُ هاهنا يشير إلى تعليل القائلين بعدم لزوم المشي إلى هذين المسجدين في حق مَن نَذرَ ذلك؛ لأن الناذرَ إنما جاء إلى هذين المسجدين ليتفرَّغَ فيهما إلى الله سبحانه وتعالى ويَتقَرَّبَ إليه بالصلاة فيهما، وهذه الصلاة إنما تجب عليه بأيِّ مكانٍ لا في هذين المسجدين على جهة الخصوص، هذا بخلاف البيت الحرام الذي ينفرد بأن فريضةَ الحَجِّ لا تقام إلا فيه (٢).

فالفرض واجبٌ ولازمٌ بأصل الشرع، أما النذر فليس واجبًا بأصل الشرع، وإنما الإنسان هو مَن يُوجِب النذرَ على نفسه ويلتزم به؛ ولذا فإن الإنسان عندما يَنذِرُ أن يَتصدَّقَ أو يُصَلَّيَ تَطَوُّعًا أو يَفْعَلَ شيئًا من الخير؛ فهذا لا شَكَّ أنه نَذْرُ طاعةٍ، أما إذا نَذَرَ أداءَ شيءٍ من الواجبات كأن يُصلِّيَ الفريضةَ أو أن يصومَ رمضانَ أو أن يُخرِجَ زكاةَ مالِهِ فحينئذٍ نقول له: إن هذه الأشياءَ إنما هي من الأُمور الواجبة عليكَ بأصل الشرع


(١) سبقت هذه المسألة.
(٢) وهو مذهب الأحناف كما سبق، خلافًا لأبي يوسف، يُنظر: "التجريد"، للقدوري (١٢/ ٦٥١٦ - ٦٥١٦) "حيث ذكر علة ذلك؛ فقال: "لنا: ما روى عطاء عن جابر: أن رجلًا قال يوم فتح مكة: يا رسول الله، إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس. فقال له: "صل هاهنا". فأعادها على النبي عليه السلام مرتين أو ثلاثًا، فقال عليه السلام: "شأنك إذن". فدل على أن الصلاة لا تختص بمكان، وإن خصهن ولأن كل صلاة جاز أداؤها في المسجد، جاز في غيره كالمكتوبة، ولأن كل مكان يجوز أن تؤدى فيه المكتوبة يجوز أداء النذر فيه بكل حال، أصله: المكان الذي عينه بنذره".

<<  <  ج: ص:  >  >>