للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي كذلك روايةٌ عن الحنابلة (١): أن نَذْرَ المعصية لا يُوفَى به ولا تَلزَمُ به الكفار".

قوله: (وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام، أَعْنِي: هَلْ مَا تَقَرَّبَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ هُوَ لَازِمٌ لِلْمُسْلِمِينَ أَمْ لَيْسَ بِلَازِمٍ؟).

والآيات الواردة في سورة الصافات واضحةٌ جَلِيَّةٌ في ذلك، فإبراهيم عليه السلام إنما امتُحِنَ هو وابنُه بالرؤيا التي رآها في المنام، فَصَدَقَا القولَ مع ربِّهِما سبحانه وتعالى، إذْ بادَرَ إبراهيمُ عليه السلام إلى تنفيذِ الأمر الإلهي، وبادَرَ ابنُه إسماعيلُ عليه السلام إلى تسليم أَمْرِهِ إلى اللّه، فقال: {يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}، هذا على الرغم مِمَّا في هذا الأمر من المشقة التي تصعُب على النفس ويَضيقُ بها القلب إلا أنه وَعَدَ أباه بأنه سيستسلم لأمر اللّه وسيكون صابرًا، ثم لَمَّا بادَرَ إبراهيمُ عليه السلام إلى تنفيذِ الأمر وأَمْسَكَ ابنَه لِيَذبَحَه حَسَمَ اللَّهُ سبحانه وتعالى المسألةَ ونَجَّى إسماعيلَ عليه السلام فقال تعالى: {(١٠٢) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧)}.

فكان موقف إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - مثالًا يُحتَذَى ويُقتَدَى به، سواء في طاعتهما للّه سبحانه وتعالى أو في طاعة الابن لِأَمْرِ أَبِيهِ وَبِرِّهِ بِهِ؛ إذْ قَرَنَ اللّه سبحانه وتعالى طاعةَ الوالِدَين بطاعته، فقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا


(١) يُنظر: "الإنصاف"، للمرداوي (١١/ ١٢٥)؛ حيث قال: "قوله: (إلا أن ينذر ذبح ولده) وكذا نذر ذبح نفسه (ففيه روايتان) …
إحداهما: أن عليه الكفارة لا غير. وهو المذهب.
والرواية الثانية: يلزمه ذبح كبش".
ومشهور المذهب، على أنه ليس عليه إلا كفارة اليمين فقط. يُنظر: "كشاف القناع"، للبهوتي (٦/ ٢٧٦)؛ حيث قال: " (ومن نذر ذبح معصوم ولو نفسه كفر كفارة يمين)، وهو قول ابن عباس لما سبق من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين"، ولأنه نذر معصية أشبه نذر ذبح أخيه".

<<  <  ج: ص:  >  >>