للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الإنسان ينذر أنه سيتصدق بهذا المال كله، ولا يترك له شيء، ففي قصة أبي بكر وعمر عندما كان عمر - رضي الله عنه - يسارع إلى فعل الخيرات حتى إن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - حث أصحابه على الصدقات ذات يوم، لكن عمر تصدق بنصف ماله، فوجد أن أبا بكر تصدق بجميع ماله (١).

فوقف العلماء عند هذه المسألة، فقالوا: إن كان الذي يتصدق بماله جميعًا عنده من القدرة والخبرة والصلة بالتجار ما يجعله يعود ويستغني عما في أيدي الناس "فلا شيء في ذلك، أما أن يأتي إنسان ويخرج جميع ما في يديه ثم يجلس يتكفف الناس لا يدري يحسنون إليه أو لا، ويترك أبناءه عالةً على الناس، فلا.

وقد ورد في قصة سعد بن أبي وقاص عندما جاء إلى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وذكر له أنه يريد أن يتصدق بماله، فقال له رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -: "لا ثم قال سعد: فالثلثان؟ قال: "كثير"، ثم قال النصف؟ قال: "كثير ثم قال: الثلث؟ قال: "نعم، والثلث كثير"، فذكر رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - الحكم مربوطًا بعلة، وهو الثلث، ثم قال: "إنَّك إنْ تَدَع ورثتَك أغنياء خير من أن تَدَعهم عالةً يتكفَّفون الناس" (٢).

فالإنسان إذا مَاتَ وترك وراءه أطفالًا صغارًا ذكورًا وإناثًا، يتركهم عالةً يحتاجون إلى الناس، يمدُّون أيديهم إلى الناس، قد يعطونهم وقَدْ لا يُعْطونهم، فينبغي أن يتركهم في غنًى ليترفعوا عن ذلك، ولا يذلوا


(١) أخرجه أبو داود (١٦٧٨)، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: سَمعتُ عُمَر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: أمرنا رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يومًا أن نتصدق، فوافق ذلك مالًا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكرٍ إن سبقته يومًا، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أبقيت لأهلك؟ "، قلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر - رضي الله عنه - بكل ما عنده، فقال له رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -:"ما أبقيت لأهلك؟ "، قال: أبقيت لهم اللّه ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيءٍ أبدًا، وأخرجه الترمذي (٣٦٧٥)، وقال: حسن صحيح، وحسنه الأَلْبَانيُّ في "صحيح سنن الترمذي" (٣٦٧٥).
(٢) أخرجه البخاري (٥٦٦٨) ومسلم (١٦٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>