للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله. (وَاخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعَيْنِ، أَحَدُهُمَا: فِيمَا كَانَ مِنَ العُيُوبِ أَشَدَّ مِنْ هَذهِ المَنْصُوصِ عَلَيْهَا).

المؤلف يعلمنا بمفهوم الموافقة (١)، وهو مفهومٌ مساوٍ، وقد يكون مفهومًا أعلى وأولى، وقد يكون مفهومًا أدنى، فاللّه سبحانه وتعالى قال: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}، فاللّه سبحانه وتعالى ينهى الابن أن يتجبر على والديه، فكيف بمَنْ يرفع صوته عليهما، ويَتَجاوز إلى أن يسبَّ أحدهما؟! لا شكَّ أنَّ ذلك أخطَر وأشنَع وأكبر وأعلى ظلمةً.

إذًا، هذا مفهوم أولى، وقد يكون مفهومًا مساويًا، فالمؤلف ذكر لنا حديثًا أولى، فهل نقتصر على النص ولا نتجاوزه إلى غيره؟ فمثلًا ورد: "العرجاء البين عرجها"، أي: مكسورة إحدى رجليها أو إحدى يديها، أليس الكسر أشد من العرج؟! ألَيْست العمياء أشد من العوراء؟! بلى كذلك، وقَدْ يكون هناك عيبٌ من العيوب مساويًا.

قوله: (مِثْلَ العَمَى وَكَسْرِ السَّاقِ)، وَالثَّانِي: فِيمَا كَانَ مُسَاوِيًا لَهَا فِي إِفَادَةِ النَّقْصِ وَشَيْنِهَا).

يقول المؤلف: لدينا نصٌّ، فهل يقتصر، على مورد النص ولا يتجاوز به إلى غيره؟ أو أننا نتجاوزه إلى ما هو أشد ضررًا من هذا؟ وهل ننقل الحكم إلى ما كان مساويًا؟


(١) يُنظر: "البحر المحيط" للزركشي (٥/ ١٢٦) حيث قال: "وهذا المفهوم تارةً يكون أولى بالحكم من المنطوق، إما في الأكثر كدلالة تحريم التأفيف من قوله: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] على تحريم الضرب، وسائر أنواع الأذى، فإن الضرب أكثر أذى من التأفيف، وإما في الأقل كقوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: ٧٥]، مفهومه أن أمانته تحصل في الدرهم بطريق الأَوْلَى. وتارةً يكون مساويًا، كدلالة جواز المباشرة من قوله: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ} [البقرة: ١٨٧] على جواز أن يصبح الرجل صائمًا جنبًا؛ لأنه لو لم يجز ذلك، لم يجز للصائم مده المباشرة إلى الطلوع، بل وجب قطعها مقدار ما يسع فيه الغسل قبل طلوع الفجر".

<<  <  ج: ص:  >  >>