للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] … إلى آخر الآية، فقالوا: إنَّ الآية لم تشر إلى النية، والآية قد ذكرت لنا فرائض الوضوء، ولم تذكر النية منها، فلو كانت واجبةً، لَجَاءت ضمن ذلك.

* حديث أم سلمة الذي مرَّ بنا في الغسل عندما سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أتنقض ضفائرها في غسل الجنابة؟ فقال: "إنما يكفيكِ أن تحثي على رأسك الماء ثلاث حسيات، ثم تُفيضي الماء على سائر جسدك، فإذا أنت قد طهرتِ" (١)، فقالوا: هنا لم تذكر النية، وهي هنا تستفسر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتطلب البيان، وتأخيرُ البيان عن وقت الحاجة لا يجوز (٢)، إذًا هي بحاجةٍ إلى البيان، فبيَّن لها الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما يجب، ولم يذكر النية.

ولَا شكَّ أنَّ جماهير العلماء لم يُسلِّموا لهم بهذا الاستدلال، أَوْ لم يُوَافقوهم على وجه الدلالة، فقالوا: إنَّ الآية لم تحصر كل الفرائض بدليل أن هناكَ واجبات أُخرى بيَّنتها السُّنَّة، والله -سبحانه وتعالى- قال: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: ٦]، ولم تحدد الآية، فبيّنت السُّنة المطهرة أن المسح من أول الرأس إلى آخره كما وَرَد في وَصْف وُضُوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

إذًا، الآية لم تَشْتمل على كل شيءٍ مع أن من الجمهور مَنْ خالف

في ذلك، وقالوا: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: ٦] إذا أردتم القيام إلى الصلاة، وقالوا: إنَّ الإرادة هي القصد، والقصد هي النية، إذًا الآية فيها إيماءٌ إلى النية.

وأمَّا حديث أم سلمة، فردَّ بالقول: إن في الحديث سؤالًا معينًا (نقض الضفائر)، فَجَاء الجوابُ عن ذلك السؤال، أمَّا أمُّ سلمة - رضي الله عنهما -، فلم


(١) تقدم تخريجه.
(٢) يُنظر: "التقريب والإرشاد" للباقلاني (٣/ ٣٨٤) حيث قال: "لا خلاف بين الأمة في أن الشرع لم يرد بأمرٍ يجب تقديمه، وتمس الحاجة إلى تنفيذه مع تأخير بيانه، وهذا هو المعتمد في أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة". وانظر أيضًا: "العدة" لأبي يعلى الفراء (٣/ ٧٢٤)، "البرهان" لإمام الحرمين (٢/ ٢٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>