للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: "من ترك ثلاثَ جُمَعٍ تهاونًا طبع الله على قَلبه" (١)، وقال عليه الصلاة والسلام: "لينتهين أقوَامٌ عن ودعهم الجمعات" (٢) يعني: عن تركهم الجمعات، "أو ليختمنَّ اللهُ على قُلوبهم" أي: ليطبع على قلوبهم "ثم ليكونُنَّ من الغافلين" (٣)، فهل يرضى المسلم أنْ يُختم على قلبِهِ، فلا يميِّز بين الخير وبين الشر وأن تكون نهايته من الغافلين، هو لا يريد ذلك، بل هو يريد أنْ يكون من الموفَّقين الذين يعرفون الحقَّ فيتَّبعونه، ويعرفون الضلالة والشر فيبتعدون عنهما.

ثم قال - سبحانه وتعالى -: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: ٩]، وهذه الآية لها سببٌ (٤)، فإنَّ جمعًا من الصحابة كانوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلمَّا علموا بقدُوم العير وكان ذلك فرِحًا، ليس انشغالًا عن العبادة، فالصحابة - رضي الله عنهم - كانت الدنيا لا تساوي عندهم ولا جناح بعوضة بالنَّسبة لأمور الآخرة، لكنَّ النَّاس كانوا بحاجة إلى قوَّة فيما يتعلق بأبدانهم وفيما يتعلق بقوتهم الدفاعية، فجاءت هذه العير، فنتيجة الفرح والسرور، وهذه النعمة التي أنعم الله - سبحانه وتعالى - بها على المؤمنين أن أوصل هذه التجارة بسلامة


= تفرق يسيرًا، فإن كان في البلد الذي تقام فيه الجمعة لزمته ولو كان بينه وبين موضعها فراسخ ولو لم يسمع النداء".
(١) أخرجه أبو داود (١٠٥٢)، وغيره، وصححه الألباني في: "مشكاة المصابيح" (١٣٧١).
(٢) ودعهم الجمعات: أي عن تركهم إياها والتخلف عنها. يقال: ودع الشيء يدعه ودعًا، إذا تركه. انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (٥/ ١٦٦).
(٣) أخرجه مسلم (٨٦٥/ ٤٠) عن ابن عمر.
(٤) أخرجه الطبري في تفسيره (٢٣/ ٣٨٧) عن قتادة: "بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس يوم الجمعة، فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة، فقال: "كم أنتم؟ " فعَدُّوا أنفسهم فإذا اثنا عشرَ رجلًا وامرأة؛ ثم قام في الجمعة الثانية فجعل يخطبهم؛ ويعظهم ويذكرهم، فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة، فقال: "كم أنتم"، فعدوا أنفسهم، فإذا اثنا عشر رجلًا وامرأة؛ ثم قام في الجمعة الثالثة فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة، فقال: "كم أنتم؟ " فعدوا أنفسهم، فإذا اثنا عشر رجلًا وامرأة، فقال: "والذي نفسي بيده لو اتَّبَع آخرُكم أوَّلَكم لالتهب عليكم الوادي نارًا … " الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>