للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خرجوا ليطمئنوا، لكن الله - سبحانه وتعالى - عاتَبهم؛ لأنه لم يبق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا اثنا عشر رجلًا، قال - سبحانه -: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١)[الجمعة: ١١] أنت تكون في مسجدك مقبلًا على الله - سبحانه وتعالى - مدبرًا عما سواه، أنت في تجارة الآخرة، فإنَّ الله - سبحانه وتعالى - لنْ يضيِّعك؛ لأنَّك لو توكلت على الله حق توكله، لرزقك كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانا (١)، كما في الحديث الصحيح (٢).

ولذلك يقول الله - سبحانه وتعالى - في شأن الله عُمَّار بيوته {فِي بُيُوتٍ} أي: في المساجد { … أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (٣٦) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} [النور: ٣٦ - ٣٧] ما هو السبب؟ {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: ٣٧]، والنتيجة {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٨)} [النور: ٣٨]، فعطاء الله لا حدود له، لا ينتهي عند قدرٍ ولا يقف عند حدٍّ، فكنوز الله - سبحانه وتعالى - عظيمة، ويمينُ الله مَلأى سحاء (٣) لو أنفق منها ليلًا ونهارًا لا تنقص إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر (٤)، إذن كنوزُ الله عظيمة، وفضل الله - سبحانه وتعالى - علينا عظيمٌ، فأذكركم مرةً وقد ظفرنا بهذه النعمةِ العظيمةِ، وسعدنا بتلك السعادة الكريمة،


(١) تغدو خماصًا وتروح بطانًا: أي تغدو بكرة وهي جياع، وتروح عشاء وهي ممتلئة الأجواف. انظر: "النهاية" لابن الأثير (٢/ ٨٠).
(٢) أخرجه الترمذي (٢٣٤٤) عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو أنكم كنتم تَوَكَّلُون على الله حق توكُّله، لرزقتم كما يرزق الطير تغدو خِماصًا وتروح بطانًا"، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (٣١٠).
(٣) سحاء: أي: دائمة العطاء، والسح: الصب. انظر: "تفسير غريب ما في الصحيحين" للحميدي (ص: ٣٤٨). "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (٢/ ٢٠٩).
(٤) معنى حديث أخرجه البخاري (٤٦٨٤)، ومسلم (٩٩٣) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال الله - عز وجل -: أَنْفِقْ أُنفق عليك"، وقال: "يدُ الله مَلأى لا تُغِيضها نفقةٌ سحَّاء الليل والنهار"، وقال: "أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض، فأنه لم يغض ما في يده … " الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>