للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاء بعد ذلك ما يتعلق بالإباحة، هل هذه الإباحة تصرفُ الأمر عن أصله وهو الوجوب أو يبقى؟ الصحيح أنَّ هذا يحتاج إلى قَرائن، فهنا المنع كان لأجلِ الإحرام، والإحرام قد ارتفع، إذن أصبح الأمرُ مباحًا فلا إشكال فيه، وهذا مما اتفق عليه العلماء على أنَّ الصيد مباح، وأنَّ الله - سبحانه وتعالى - قد أباحَ لنا أكْلَه.

• قوله: (وَكرِهَ مَالِكٌ الصَّيْدَ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ السَّرَفُ) (١).

الإمام مالك بن أنسٍ - رحمه الله - هو إمام دار الهجرة، ذلكم الإمامُ الفذُّ الجليلُ الذي كانت تضرب إليه أكباد الإبلِ (٢) من مشارق الأرض ومغاربها (٣)، يأتون إليه في هذا المسجد الكريم، ينهل من مَعينه ليستَفِيدوا من علمه، ليأخذوا من دروسه، وليستفيدوا من سيرته النَّيِّرة، التي كان يصحبها الورع، والزهد، وعفة اللسان، وتقوى الله - صلى الله عليه وسلم -، والتأسي بسيرة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والعمل بسنته - صلى الله عليه وسلم -، هذا هو إمام دار الهجرة، ينبِّه إلى أنه لا ينبغي أن يكون قصدنا ونحن نتَتَبَّعُ الصيد هو الإسراف؛ لأنَّ الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الإسراف، قال تعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: ٣١]، وقال في شأن الإنفاق: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (٦٧)} [الفرقان: ٦٧] أي: يكونون وسطًا في الأمور، والرسول - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن الإسراف حتى في العبادات، والوضوء شرطٌ في صحة الصلاة، قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقبل الله صلاةَ أحدكم إذا


(١) يُنظر: "البيان والتحصيل" لابن رشد الجد (١٨/ ٧٤)، حيث قال: "مذهب مالك أن الصيد مكروه لما فيه من الالتهاء به إلا لمن كان عيشه منه، أو قرم إلى اللحم … ولم يجز قصر الصلاة لمن خرج مسافرًا إلى الصيد على وجه التلهي لأنه سفر مكروه، لما في ذلك من اللهو والطرب وإتعاب البهائم في غير وجه منفعة".
(٢) "فلان تُضْرَبُ إليه أكبادُ الإبل، أي: يُرْحَلُ إليه في طلب العلم وغيره". انظر: "الصحاح" للجوهري (٢/ ٥٣٠).
(٣) معنى حديث أخرجه الترمذي (٢٦٨٠) عن أبي هريرة، رواية: "يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم، فلا يجدون أحدًا أعلم من عالم المدينة". وضعفه الألباني في "المشكاة" (٢٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>