للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هذه المقام وهو نصٌّ فيه، وهو حديث في الصحيحين، ولا يتطلب الأمر أن يكون محلَّ خلاف، وربما كان للإمام مالكٍ وجهة نظرٍ في ذلك، أو أنَّ الحديث لم يبلغه، فأي عالمٍ من العلماء مهما عَلَتْ منزلته وارتفعت مكانتُه وبلغ الدرجات العليا من العلم والفضل، فإنه لا يمكن أن يحيط بكلِّ شيء، والإمام مالك رحمه الله كغيره من الأئمة، كثيرًا ما سُئل عن مسائلَ فأجاب بأنه لا يدري (١)، وهذا هو شأن طلاب العلم العاملين الذين يريدون الوصول إلى الحقِّ من أقرب طريقٍ ومن أهدى سبيل.

* قوله: (مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَاتُهُ النَّحْرُ).

يعني: لو فرَّ مثلًا بعيرٌ أو ثورٌ من الثيران، وأصبَحَ متَوَحِّشًا، فتلبَّس بصفات الحيوانات الوحشية، هل نعقِرُه بمعنى: نضربه بسهم أو برمح أو بغير ذلك، فإذا ما ألقي قتيلًا حينئذٍ يكون مباحًا، أو لا بدَّ من أَصل التذكية المعروفة التي هي ذبحٌ أو نحر.

* قوله: (وَيُذْبَحَ مَا ذَكَاتُهُ الذَّبْح، أَوْ يُفعَلَ بِهِ أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ الأمْرَانِ جَمِيعًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة (٢)،


(١) أخرج ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (٢/ ٨٣٨) (١٥٧٣) عن عبد الرحمن بن مهدي قال: "كنا عند مالك بن أنس، فجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله جئتك من مسيرة ستة أشهر حملني أهل بلدي مسألة أسألك عنها، قال: فسل فسأله الرجل عن مسألة، فقال: "لا أحسنها". قال: فبُهت الرجل كأنه قد جاء إلى من يعلم كل شيء، قال فقال: فأي شيء أقول لأهل بلدتي إذا رجعت لهم؟ قال: "تقول لهم: قال مالك: لا أحسن".
وأخرج أيضًا عن ابن وهب قال: وكنت أسمعه كثيرًا ما يقول: لا أدرى. (جامع بيان العلم) (٢/ ٨٣٨) (١٥٧٥).
(٢) يُنظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (٥/ ٤٣ - ٤٤)، حيث قال: " (وأما) الشاة فإن ندت في الصحراء فذكاتها العقر، لأنه لا يقدر عليها وإن ندت فِي المصر لم يجز عَقْرُها؛ لأنه يمكن أخذها إذ هي لا تدفع عن نفسها فكان الذبح. مقدورًا عليه فلا يجوز العقر، وهذا لأن العقر خلف من الذبح والقدرة على الأصل تمنع المصير إلى … وكذلك ما وقع منها في قليب فلم يقدر على إخراجه ولا على مذبحه ولا منحره، =

<<  <  ج: ص:  >  >>