للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوهُ خِلَافُ النَّصِّ فِي الْحَدِيثِ، وَخِلَافُ ظَاهِرِ الْكِتَابِ، وَهُوَ قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: ٤]).

معنى: خلاف ظاهر الكتاب أي: أنه قصد الإمساك لصاحبه، هذا يفهم من ظاهر الكتاب، وليس نصًا، أما الحديث ففيه: "وإن أكَلَ فلا تأكُلْ، فإني أخاف أن يكون إنما أمسَكَ لنَفْسِهِ" (١) فهنا جاء نصًا صريحًا، وجاء من ظاهر الكتاب ما يدل عليه: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: ٤]، فما دام أمسك لك، فيعني هذا أنه ما أمسك لنفسه، وإنما أمسك لصاحبه، لكنه لم يرد نصٌّ صريحٌ في ذلك إنما جاء في الحديث، فانظروا إلى عبارات الفقهاء السابقين - رحمهم الله - وإلى دِقَّتِهِمْ، وهنا جاء ظاهرًا، وهناك جاء نصًّا، وفرق بين الظاهر وبين النص، فالدلالة النصية أقوى من الدلالة الظاهرية.

قال: (وَللْإِمْسَاكِ عَلَى سَيِّدِ الْكَلْبِ طَرِيقٌ تُعْرَفُ بِهِ، وَهُوَ الْعَادَة، وَلذَلِكَ قَالَ - عليه الصلاة والسلام -: "فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ" (٢)).

كلام المؤلف كلامٌ وجيه؛ لأنه يقول من الذي يعرف الطريقة التي يسلكها الكلب هل صاد لنفسه أو صاد لسيده إنما هو العادة، والعادة معتبرةٌ في الشريعة الإسلامية، ولذلك جاء في أثر عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "فما رأى المسلمون حسنًا، فهو عندَ اللّه حسَنٌ، وما رأوا سيِّئًا فهو عند الله سيئ" (٣)، ثم رتب العلماء على هذا الأثر القاعدة الفقهية


(١) أخرجه البخاري (٥٤٧٦)، ومسلم (١٩٢٩/ ٣) عن عدي بن حاتم "وفيه … وسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الكلب، فقال: "إذا أرسلت كلبك، وذكرت اسم الله فكل، فإن أكل منه فلا تأكل، فإنه إنما أمسك على نفسه"".
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) أخرجه أحمد في مسنده موقوفًا (٣٦٠٠) عن عبد الله بن مسعود، قال: "إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب=

<<  <  ج: ص:  >  >>