للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحمد يقول: "لا تقلدوني ولا تقلدوا مالكًا ولا الأوزاعي، ولكن خذوا من حيث أخذوا" (١)، والإمام مالك رحمه الله إمام دار الهجرة كان يقول: "ما منا إلا رادٌّ ومردودٌ عليه إلا صاحب هذه الحجرة" (٢) يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكلنا عرضة للخطأ وللصواب، أما الرسول لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحي، إذًا لأمر مختلفٌ تمامًا، ولذلك يقول الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: ٥٩]، وأيضًا أبو حنيفة يقول: "إذا جاء الأمر عن الله فعلى العين والرأس (٣)، وإذا أجمع الصحابة على أمرٍ من الأمور فكذلك، وإذا اختلفوا اخترنا من بين أقوالهم، وإذا جاء عن التابعين فهم رجالٌ ونحن رجال"، إذن كما أنهم اجتهدوا نجتهد، فمن يتبين له الحق يأخذ به، فغاية الأئمة وغيرهم من العلماء الأعلام إنما هو الوصول إلى الحق، وأن يهتدوا في ذلك، لكن أخطر ما يهدد المسلم وبخاصة طالب العلم أن يغلب عليه هواه، وأن يتعصب لمذهبٍ من المذاهب، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: ٥٠] والله - تعالى - يقول لنَبيِّهِ داود - عليه السلام -: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: ٢٦] فما وقع في الأمم الإسلامية كثيرٌ من الأمور إلا نتيجة التعصب للآراء أو اتباع الأهواء، وخير دليل على ذلك، أعظم نكبةٍ مرت بالأمم الإسلامية، كانت نكبة التتار، عندما جاؤوا إلى قصبة الخلافة الإسلامية عاصمة الإسلام في ذلك الوقت بغداد،


(١) ذكره ابن القيم في "إعلام الموقعين" (٢/ ١٣٩).
(٢) أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (٢/ ٩٢٥)، وابن حزم في "أصول الأحكام" (٦/ ١٧٩) من قول الحكم بن عُتَيبة ومجاهد، وأورده تقي الدين السبكي في "الفتاوى" (١/ ١٣٨) من قول ابن عباس - متعجبًا من حسنه -، ثم قال: "وأخذ هذه الكلمة من ابن عباسٍ مجاهدٌ، وأخذها منهما مالك - رضي الله عنه -، واشتهرت عنه". ونسبةُ هذا الكلام إلى مالك هو المشهور عند المتأخرين من العلماء.
(٣) يُنظر: "سير أعلام النبلاء" للذهبي (٦/ ٤٠١)، حيث قال: "قال أبو حنيفة: ما جاء عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فعلى الرأس والعين، وما جاء عن الصحابة، اخترنا، وما كان من غير ذلك، فهم رجال ونحن رجال".

<<  <  ج: ص:  >  >>