فسوروها وطوقوها من جميع جهاتها وكان الناس مختلفين فيما بينهم، فأخذوا يعملون السيوف في المسلمين حتى سالت الدماء كالأنهار، فلما رجع المسلمون إلى الحق واجتمعت كلمتهم على ذلك، عادوا إلى كتاب الله عز وجل وإلى سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأزالوا جميع أسباب الخلاف وابتعدوا عن كل أسباب الذلة وسلكوا جميع الطرق التي كانت تؤدي بهم إلى نصر الله سبحانه وتعالى التي قال الله فيها:{إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد: ٧] {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (٥١)} [غافر: ٥١] فعندما فعلوا ذلك قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}[النور: ٥٥]، لما عاد المسلمون إلى الطريق السوي، والتفوا حول كتاب الله، وحول سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واتحدت كلمتهم على الحق وعلى الهدى، واجتمعت صفوفهم، وزالت أسباب الفرقة، انتصروا على عدوهم وأذاقوه كأس الموت كما ذاقه المسلمون أولًا، فتمزق شملهم فبدؤوا يتساقطون بين أموات وبين أسرى؛ لأن المسلمون عادوا إلى الله فتحققت أسباب النصر، والله سبحانه وتعالى وعد بقوله:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ}[النور: ٥٥] وقال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}[الحج: ٤٠] وقال تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد: ٧]، فكلما اجتمعت كلمة المسلمين وعادوا إلى الله سبحانه وتعالى وتوحدت صفوفهم انحلت جميع المشاكل.
النية شرطٌ في جميع العبادات إلا ما استثني من ذلك مما لا يحتَاجُ إلى قَصْدٍ، كقراءة القرآن مثلًا، فإن النية إنما شُرِعَتْ لتمييزِ العبادات عن العادات، ولتمييز العبادات بعضها عن بعض، وقد ذكرنا ذلك تفصيلًا وإجمالًا في مواطن كثيرة، ولا شك أن الإنسان إذا أراد أن يصيدَ وأن يذبَحَ فلا بد له من قَصْدٍ، وهذا القصدُ مَحِلُّه القلب وإذا كان محله القلب