للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلماء قسموا الحقوق عدة أقسام:

أولًا: هناك حقٌّ خاصٌّ بالله سبحانه وتعالى، لا يجوز أن يشركه معه أحدٌ من الخلق، وذلك في عبادة الله سبحانه وتعالى؛ لأن العبادة هي لله وحده، وقد كان المشركين يقرون بأن هناك رَبًّا كما قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزمر: ٣٨] وقال تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون: ٨٤ - ٨٥]، والآيات في ذلك كثيرة فهم يعرفون توحيد الربوبية لكنهم لا يُقِرُّون بتوحيد الألوهية فهم يعبدون مع الله غيره، وقالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: ٣]، لكن عندما تشتدُّ بهم الأهوال وتَنْسَدُّ أمامهم المسالك، وتغلق أمامهم الدنيا وتحيط بهم العواصف من كل مكان، يدركون حينئذٍ بأنه ليس هناك إلا إلهٌ واحد، ألا وهو الله سبحانه وتعالى كما قال الله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥)} [العنكبوت:٦٥]، وقال تعالى: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤)} [الأنعام: ٦٣ - ٦٤]، وكانوا يدركون تمامًا أن الله واحدٌ لا شريك له، لكنهم يتخذون تلك الأصنام وتلك الأوثان ومن يتخذونهم معبودات، يجعلونهم وسطاء بينهم وبين الله سبحانه وتعالى، فلم ينفعهم توحيدُ الربوبية ولذلك وقعوا في الشرك، إذن: العبادة أمرٌ خاصٌّ لله سبحانه وتعالى كما قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥)} [لبينة: ٥]، وقال تعالى: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: ١٤ - ١٥] هذه العبادة خاصةٌ لله سبحانه وتعالى.

ثانيًا: هناك حقوقٌ مشتركة بين الخالق والمخلوق، بمعنى: أن للخالق حقًّا فيها وللمخلوق، ولكن في الحدود، ولنأخذ مثلًا حد القذف،


= الفساد، وحُكِيَ عن الشافعي .. وهو قول طائفةٍ من أصحاب أبي حنيفة وأكثر المتكلمين".

<<  <  ج: ص:  >  >>