للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المكان الموحش، ثم يدير ظهره راجعًا وتلحق به زوجه هاجر وتقول له: لمن تتركنا، فلا يجيبها في بعض الروايات، ثم تسأله: "آلله أمرك بذلك؟ فيقول: نعم، فتقول: إذن لا يُضيِّعُنا" (١)، لكن لماذا وضعهما في هذا المكان؟ والجواب: لأنه يعلم أن هناك عناية أعظم من عِنَايتِهِ كما قال الله تعالى: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف: ٣٠] وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود: ١١٥]، فقالت المرأة المؤمنة: إذن لا يُضِيِّعُنا فما دام أن الله - تعالى - هو الذي أمرك بذلك، فإنما أمرك بذلك لسبب ولحكمة لا بُدَّ من أن تتحقق، وقد تحققت عندما تفجر عين زمزم وعندما بني البيت العتيق، إذن لنعلم أن من كان الله سبحانه وتعالى معه فلا ينبغي أن يبالي بأيِّ أمرٍ من الأمور، هذا هو شأن الله عز وجل مع رُسُلِهِ ومع عباده المؤمنين فإن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر المحسنين، فينفذ الماء والتمر، وتذهب إلى الصفا ثم تمشي في الوادي ثم يكاد قلبها يتقطع ويتمزق من اللوعة والحزن على هذا الطفل الرضيع، نسيت نفسها، فلنتدبر جيِّدًا إن كانت قد حصلت منا قطيعة أو تقصيرًا في حق الوالدين، "فالجنة تحت أقدام الأمهات" (٢)، والله سبحانه وتعالى قد قرن طاعتهما بطاعته، وهما السبب في إيجادك بعد الله سبحانه وتعالى، وما عليك إلا أن تشكرهما وأن تؤدي حقوق الله سبحانه وتعالى


(١) أخرجه البخاري (٣٣٦٤) عن ابن عباس قال: "أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل، اتخذت منطقًا لتَعْفِيَ أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه، حتى وضعهما عند البيت عند دوحة، فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابًا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقًا، فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي، الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يضيعنا، ثم رجعت … ".
(٢) معنى حديث أخرجه النسائي (٣١٠٤) عن معاوية بن جاهمة، أن جاهمة جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، أردت أن أغزو وقد جئت أستَشِيرُك، فقال: "هل لك من أم؟ " قال: نعم، قال: "فالزمها، فإن الجنة تحت رِجْلَيها". وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (١١٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>