للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان يُفعل في الجاهلية (١)، لكن قد تكون أمور في الجاهلية يأتي الإسلام فيُقِرُّها، ومن ذلكم المعاملة المشهورة التي تعرف بالمضاربة (٢)، فإنها كانت موجودة في الجاهلية، فإن الإسلام جاء فأبطل كثيرًا من الأحكام التي كانت في الجاهلية، وأقر بعض الأحكام والأخلاق التي لا تتعارض مع الدِّينِ الإسلامِيِّ، فإن في الجاهلية أخلاقًا كريمة كالشجاعة، والوفاء، والكرم، وإكرام الضيف وغير ذلك من الأمور المعروفة، كما يوجد في الجاهلية أخلاقٌ ذَمِيمَةٌ فهذه أبطلها الإسلام وحاربها إلى جانب إبطاله أيضًا لتلك المعتقدات الفاسدة التي كانوا يعتقدونها في الجاهلية (٣).

ولقد وَهِمَ أُناس ممن كتبوا في القانون ورأوا أنهم قد فهموا أحكام الشريعة وزعموا أنه يوجد أحكام في الشريعة الإسلامية قد استمدت من القانون الروماني، وهذا من جهلهم لأحكام الشريعة الإسلامية، فلا يوجد في الشريعة الإسلامية أحكام مستمدة من قوانين، وإنما القوانين هي التي استفدت بعض الأحكام من الشريعة الإسلامية، أما أن يُوجَدُ بعض الأحكام التي يحصل فيها توافق بين الشريعة وبين بعض القوانين، فليس ذلك أن الشريعة أخذتها من قوانين سابقة؛ لأن هذه الشريعة إنما أنزلت من


(١) لم أقف عليه من قول أبي حنيفة إنما هو منقول عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة حيث قال: "أما العقيقة فبلغنا أنها كانت في الجاهلية وقد فعلت في أول الإسلام، ثم نَسخ الأضحى كل ذبح كان قبله". انظر: "الموطأ برواية محمد" (ص ٢٢٦)، "بدائع الصنائع" (٤/ ٢٠٤).
(٢) المضاربة: أن تعطي مالًا لغيرك يتجر فيه فيكون له سهم معلوم من الربح؛ وهي مفاعلة من الضرب في الأرض والسير فيها للتجارة. انظر: "لسان العرب" لابن منظور (١/ ٥٤٥).
(٣) من ذلك ما أخرجه مسلم (١٢١٨/ ١٤٧)، عن جابر، وفيه: فخطب الناس وقال: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعًا في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله".

<<  <  ج: ص:  >  >>