للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقولون: بأن ميتَةَ البحر حرام، وفي الآية الأخرى قولُهُ تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ} [البقرة: ١٧٣] وهنا أيضًا ذكر الميتة ولم يخص ميتة بعينها، إذن هذه الآيات بينت تحريم الميته فيدخل في عموم هذا الآيات ميتة البحر، والذين يقولون: بأن ميتَةَ البحرِ كغَيرِهَا هذا استدلال ضعيف (١).

* قولُهُ: (وَأَمَّا الْآثَارُ الْمُعَارِضَةُ لِهَذَا الْعُمُومِ مُعَارَضَةً كُلِّيَّةً فَحَدِيثَانِ، الْوَاحِدُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْآخَرُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. أَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ فَحَدِيثُ جَابِرٍ، وَفِيهِ: "أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَجَدُوا حُوتًا يُسَمَّى الْعَنْبَر، أَوْ دَابَّةً قَدْ جَزَرَ عَنْهُ الْبَحْر، فَأَكَلُوا مِنْهُ بِضْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، ثُمَّ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرُوه، فَقَالَ: هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ؟ فَأَرْسَلُوا مِنْهُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَكَلَهُ (٢) ").

المؤلف هنا يشير إلى الحديث المتفق عليه الذي ورد في قصة سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - ومعه جماعة من رفقائه في غزوة من الغزوات فحَل بهم الجُوعُ فقذَفَ لهم البَحْرُ حُوتًا يسمى العنبر (٣)، وهو نوع من أنواع الحيتان ضخم كبير فأكلُوا منه شَهرًا حتى سَمِنُوا وادَّهنوا، فلما رجعوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألوه عن ذلك فقال: "خيرٌ أخرجه الله لكم، أو: زِرْق أخرجه الله لكم، هل بَقِيَ معكم منه شيء فأطعمونا" (٤)، إذن


(١) يُنظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٢/ ٢١٧)، حيث قال: "هذه الآية عامة دخلها التخصيص بقوله - عليه السلام -: "أحلت لنا ميتتان الحوت والجراد ودمان الكبد والطحال". أخرجه الدارقطني، وكذلك حديث جابر في العنبر يخصص عموم القرآن بصحة سنده. خرجه البخاري ومسلم مع قولُهُ تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} ".
(٢) سيأتي تخريجه.
(٣) العنبر حوت عظيم. انظر: "المصباح المنير"، للفيومي (٢/ ٣٩٠).
(٤) أخرجه البخاري (٤٣٦١)، ومسلم (١٩٣٥) ولفظه: انطلقنا على ساحل البحر، فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكَثِيب الضَّخْمِ، فأتيناه فإذا هي دابةٌ تُدْعى العنبر، قال: قال أبو عبيدة: ميتة، ثم قال: لَا، بل نحن رُسُل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي سبيل الله،=

<<  <  ج: ص:  >  >>