للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِوُجُودِ الْمُخَالَطَةِ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ أَكْثَرَ، أَعْنِي فِي حَالَةِ الذَّوَبَانِ، وَيَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُخَالَطَةِ الْقَلِيلَةِ وَالْكَثِيرَةِ).

لا شك أن الأمر مختلف في نجاسة تقع في طعام جامد تختلف عن طعام سائل، فإن السائل تسري إليه النجاسة بسرعة وتتمدد، أما الجامد فتقف في مكانها.

* قوله: (فَلَمَّا لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا فَكَأَنَّهُمُ اقْتَصَرُوا مِنْ يَعْضِ الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَمِنْ بَعْضِهِ عَلَى الْقِيَاسِ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ أَقَرَّتْهُ الظَّاهِرِيَّةُ كُلَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ).

المؤلف ربما لم يقِفْ عندَ الحنابلة (١) فهم فصلُوا القول في ذلك وفرَّقُوا بينَ القليل والكثير.

جاء الحديث: "أن الفأرة لو وقَعَتْ في سمن" أو حتى وقعت في غير السمن كعسل أو نحوه، هذه القضية نَرُدُّهَا إلى النفس، كم من الأشياء الطيبة تعافُهَا نفسك وغيرك يشتَهِيهَا، فليس من الضرورة أكلها، فالضَّب قُدِّمَ على مائدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قدَّم يده - عليه الصلاة والسلام - ليتناولَهُ وكانت عادتهم أنه إذا قُدِّمَ طعام لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - نبَّهوه إلى محتوياته، فقالت إحدى النساء: إنه ضبٌّ، فرفع الرسول - صلى الله عليه وسلم - يده وقال: "إنه لم يكن بأرضِ قَوْمِي (٢)، ولذلك فإني أعافُهُ" (٣) أي: لا أعرفه، ولذلك فإني أعافه، كرهته


(١) تقدَّم الروايات الثلاثة في مذهب أحمد.
(٢) قال العراقي في "طرح التثريب" (٦/ ٥): "والحق أن قوله: "لم يكن بأرض قومِي" لم يرد به الحيوان وإنما أراد أكله، أي: لم يَشِعْ أكلُه بأرضِ قَومِي".
(٣) أخرجه البخاري (٥٣٩١)، ومسلم (١٩٤٥، ١٩٤٦) عن ابن عباس، أن خالد بن الوليد، الذي يقال له سيف الله، أخبره أنه دخل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ميمونة، وهي خالته وخالة ابن عباس، فوجد عندها ضَبًّا محنُوذًا، قد قدمت به أختُها حُفيدة بنت الحارث من نجدٍ، فقدمت الضب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان قلما يقدم يده لطعام=

<<  <  ج: ص:  >  >>