للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُعَاذًا إلى الْيَمَنِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إِنَّ بِهَا شَرَابَيْنِ يُصْنَعَانِ مِنَ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ؛ أَحَدُهُمَا يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ؛ وَالآخَرُ يُقَالُ لَهُ: الْبِتْعُ؛ فَمَا نَشْرَبُ؟ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "اشْرَبَا، وَلَا تَسْكَرَا" خَرَّجَهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا (١)؛ إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآثَارِ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي هَذَا الْبَابِ).

هذا الذي ذكره المؤلف عند الطحاوي، وكان الأولى أن يذكر الحديث المتفق عليه الذي أشرنا إليه فيما سبق؛ وهو أن أبا موسى الأشعري - رضي الله عنه - جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستفتيًا، فقال: يا رسول الله؛ أفتنا في شرابين نصنعهما في اليمن؛ أحدهما البِتع - وهو نبيذ العسل؛ ينبذ حتى يشتد - والمزر - وهو نبيذ الذرة والشعير؛ ينبذ حتى يشتد - ثم قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر حتى يفهم الصحابة - رضي الله عنهم -.

وهؤلاء الآخرون علماء مجتهدون، فالإنسان قد يجتهد في أمر من الأمور، لكن أن يعرف الإنسان الحق؛ أن هذا حرام ويستحلّه، أو أنه يتمسك ببعض العلل، أو ببعض الرخص التي ربما قال بها بعض العلماء وهي غير صحيحة؛ فهذا هو الذي يحمل الإثم.

قوله: (وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: قَدْ نَصَّ الْقُرْآنُ أَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ فِي الْخَمْرِ إِنَّمَا هِيَ الصَّدُّ عَنْ ذِكرِ اللَّهِ، وَوُقُوعُ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ؛ كمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ} [المائدة: ٩١].

يستندون إلى الآية، ولا شك أن الله سبحانه وتعالى ذكر عدة أمور حاسمة لبيان تحريم الخمر، وهي علل قوية وواضحة؛ ولذلك قال الصحابة - رضي الله عنهم - عندما خُتِمت الآية بقوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: ٩١] قالوا: انتهينا؛


(١) في "شرح معاني الآثار" (٤/ ٢٢٠)، (٦٤٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>