للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِنَّمَا جَعَلَ ذَلِكَ رُخْصَة فِي أَوَّلِ الإِسْلَامِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالغُسْلِ، خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ) (١).

وهذا دليلٌ قويٌّ؛ لأن أُبَيَّ بن كعب كان من الصحابة الذين يرون أن الغسل لا يجب إلا بالإنزال في أول الأمر، وكونه هو الذي روى لنا هذا الحديث يؤكد ما ذهب إليه الجمهور من أن ذلك كان في أول الأمر، ثم نسخ، ومثل هذا الحديث في التَّحْديد والتبيين حديث أبي موسى الأشعري (٢).

قوله: (وَأَمَّا مَنْ رَأَى أَنَّ التَّعَارُضَ بَيْنَ هَذَيْنِ الحَدِيثَيْنِ هُوَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الجَمْعُ فِيهِ بَيْنَهُمَا، وَلَا التَّرْجِيحُ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ عِنْدَهُ إِلَى مَا عَلَيْهِ الاتِّفَاقُ، وَهُوَ وُجُوبُ المَاءِ مِنَ المَاءِ، وَقَدْ رَجَّحَ الجُمْهُورُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ جِهَةِ القِيَاسِ، قَالُوا: وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مُجَاوَزَةَ الخِتَانَيْنِ تُوجِبُ الحَدَّ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ المُوجِبَ لِلْغُسْلِ).

وهَذَا القياسُ سليمٌ، لأنه انعقد إجماع على أن مجاوزة الختانين موجبة للحد، وهو حكمٌ من أحكام الشريعة الإسلامية، فقاسوا عليه وجوب الغسل.


(١) أخرجه أبو داود (٢١٤)، ولفظه: عن أُبَي بن كعب أخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما جُعِلَ ذلك رخصةً للناس في أول الإسلام لقلة الثياب، ثم أمر بالغسل، ونهى عن ذلك"، وصححه الأَلْبَانيُّ في "صحيح أبي داود" "الأم" (٢٠٨).
(٢) أخرجه مسلم (٣٤٩)، عن أبي موسى، قال: اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار، فقال الأنصاريون: لا يجب الغسل إلا من الدفق أو من الماء. وقال المهاجرون: بل إذا خالط فقد وجب الغسل. قال: قال أبو موسى: فأنا أشفيكم من ذلك، فقمتُ فاستأذنتُ على عائشة، فأذن لي، فقلت لها: يا أماه -أو يا أم المؤمنين- إني أريد أن أسألك عن شيءٍ، وإني أستحييك، فقالت: لا تستحيي أن تسألني عما كنت سائلًا عنه أمك التي ولدتك، فإنما أنا أمك، قلت: فما يوجب الغسل؟ قالت: على الخبير سقطتَ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إدْا جَلَس بين شُعَبها الأربع، ومس الختان الختان، فقد وجب الغسل ".

<<  <  ج: ص:  >  >>