للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالت: كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنَاخُذُ قَبْضَةً مِنْ تَمْرٍ، وقَبْضَةً مِنْ زَبِيبٍ، فَنَطْرَحُهَا فِيهِ - يعني في الإناء - ثُمَّ نَصبُّ الْمَاءَ عَلَيْهِ، فَنَنْبذُهُ له غُدْوَةً، فَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً، وَنَنْبِذُهُ عَشِيَّةً، فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً (١).

فهذا دلَّ على أنه كان يُنبَذ للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يشربه، لكن كان يُنبَذ له في الصباح فيشربه في المساء، أو في المساء فيشربه في الصباح، فلم تمر عليه مدة طويلة تستدعي أن يصل إلى درجة الإسكار، فهو لا يزال حلالًا ولم يصل إلى درجة الممنوع.

لكن يبين لنا حديث أبي هريرة، حيث قال: عَلِمْتُ أن رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَصُوم، فَتَحَيَّنْتُ فِطْرَه، فصنعتُ له نبيذًا فِي دُبَّاء، فأتيته به، فَإِذَا هُوَ يَنِشُّ، فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "اضْرِبْ بهَذا الْحَائِطَ، فَإِنَّ هَذَا شَرَابُ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ" (٢).

لكن هذا النبيذ وصل إلى درجة شِبهِ غليان، بدأ ينش - أي: يتحرك - فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اضْرِبْ بهَذا الْحَائِطَ" يعني: اقذفه" ثم بيَّن له فقال: "هَذَا شَرَابُ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْم الآخِرِ"، أما من يؤمن باللّه واليوم الآخر، فإنه لا يشرب مثل هذه الأشربة التي تُذهِب العقول.

وليس المراد في هذا المقام نفيُ الإيمان كاملًا، بل هذا كحديث "لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِق السَّارِق حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ" (٣) إلى آخر ما جاء في ذلك.

وبعض العلماء قالوا: إن الإيمان يخرج فيكون شبه مظلَّة عليه،


(١) أخرجه أبو داود (٣٧١١)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.
(٢) أخرجه أبو داود (٣٧١٦)، وقال الأرناؤوط: "حديث حسن".
(٣) أخرجه البخاري (٢٤٧٥)، ومسلم (٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>