للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (وَأَجْمَعُوا عَلَى أن الْخَمْرَ إِذَا تَخَلَّلَتْ مِنْ ذَاتِهَا؛ جَازَ أكْلُهَا (١)).

الخمر لا تخلو إما أن تتخلل من نفسها؛ بمعنى أن توضع في مكان فتتخلل، وإما أن يُخلِّلها الإنسان بنفسه؛ بمعنى أن يضع فيها مادة من المواد التي تسارع في تخليلها، فتنقلها من كونها خمرًا مسكرًا إلى أن تصبح خلًّا.

الطريقة الأخرى لا يُحدِثُ فيها شيئًا؛ لكنه ينقلها من مكانٍ إلى مكان، قد تكون موضوعةً مثلًا في الشمس فينقلها إلى الظل فتتخلل، أو العكس، بمعنى أنه حملها من مكان إلى مكان؛ هذه صورٌ ثلاث:

الصورة الأولى: لا خلاف بين العلماء؛ أن الخمر لو كانت في مكانٍ مستقر وتخلَّلت بتفسها؛ فقد زالت نجاستها وزالت أيضًا حرمتها.

الصورة الثانية: إذا خلَّلها الإنسان بنفسه؛ فهي حرامٌ عند جمهور العلماء، وجائز عند الحنفية وبعض التابعين.

وأما الشافعية، والقول الأول الذي أجازها مطلقًا إذا تخللت بنفسها، ومنعها أيضًا بسببٍ من الأسباب، هذا قول المالكية والحنابلة قولًا واحدًا، وتوجد رواية في مذهب مالك لكنها ضعيفة، والصحيح في مذهب مالك كمذهب الحنابلة، والشافعية مع المالكية والحنابلة، إلا أنهم قالوا: كونها تنقل من مكانٍ إلى مكانٍ فتتخلل، فالمشهور في مذهبهم أن ذلك جائز.

هذا هو خلاصة ما في أقوال العلماء في هذه المسألة، فلماذا حصل الخلاف فيها؟

نحن لو ألقينا نظرة فاحصة على الأدلة التي وردت في ذلك؛ لوجدنا أنها صريحةٌ في عدم جواز تخليلها، وفي حديث أنسٍ أيضًا قال: "سُئِلَ


(١) يُنظر: "الإقناع في مسائل الإجماع" لابن القطان (١/ ٣٢٦)؛ حيث قال: "والإجماع على أن الخمر إذا تخللت من ذاتها طابت".

<<  <  ج: ص:  >  >>