للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رضي الله تعالى عنه - فرخَّص لهما بلبس الحرير، والحرير لا يجوز للرجال، لأنه قال - عليه الصلاة والسلام - في الذهب والحرير: "هما حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي، حلٌ لإناثها" (١)، فلا يجوز للمسلم في حالة الاختيار أن يلبس حريرًا ولا ذهبًا، إلا ما استُثني فيما يتعلق بالضرس ونحو ذلك مما مضت الإشارة إليه، وسيأتي تفصيل ذلك - إن شاء الله.

والحاجة مقتضى التَّرك، فإنهما شكيا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما يجدان من ألم القمل، فرخَّص لهما في ثوب الحرير، والحرير معروفٌ بنعومته، فلا يعلق به شيءٌ من القمل، ومن هنا كان السبب واضحًا في هذا الأمر، ولما جاءه الرجل الذي يتناثر القمل من رأسه، رخَّص له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يحلق رأسه، ثم قال: رخص الله - صلى الله عليه وسلم - له بقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦]، وبيَّن له الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنَّ له أنْ يحلق، وأنَّ عليه أنْ يفدي، وهكذا الأحكام في ذلك كثيرة جدًّا.

والمسلم يُمنَعُ من ارتكاب ما نُهِيَ عنه، وبخاصة الأمور المحرمة، سواءٌ كان ذلك فيما يتعلق بالأطعمة والأشربة، أو اللباس، أو ما يتعلق بأخلاق المسلم والصفات التي ينبغي أن يكون عليها.

ونحن نعلم أن من الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا يكلمهم، ولهم عذابٌ أليم؛ العائل المتكبر، ومع ذلك نجد أن أبا دجانة - رضي الله تعالى عنه - كان يمشي متبخترًا في وقت الحرب، فينظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقول له: "إنَّهَا لمِشْيَةٌ يَكرَهُهَا الله، إِلَّا في هذا الموقف" (٢)؛ لأنه في الحرب يحتاج المسلم إلى أن يُظهر قوته وشجاعته وشكيمته، فهو كان يمشي بشكل الإنسان المتعالي، لكنه أراد بذلك أن


(١) أخرجه أبو داود (٤٠٥٧).
(٢) أخرجه ابن إسحاق في "سيرته" كما في "السيرة النبوية" لابن هشام، ومن طريقه الطبري في "تاريخه" ٢/ ٦٣ و ٦٣ - ٦٤، والأثير في "أسد الغابة" في ترجمة أبي دجانة.

<<  <  ج: ص:  >  >>