للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُرهِبَ ويخيف الأعداء، فلم يُرد - رضي الله عنه - أن يتعالى أو يتعاظم أو يتكبر؛ لأنه يدرك معنى قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "أَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا، الْمُوَطَّؤُونَ أَكْنَافًا" (١)، وقوله أيضًا: "ومن تواضع لله رفعه" (٢).

فصنيعُ أبي دجانة سبحانه وتعالى جاء موافقًا لِما صنعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأمر به أصحابه؛ حين أراد أن يُظهِرَ لهم قوة المسلمين، وأنهم ليسوا ضعفاء كما زعمت قريش حيث قالت: يأتيكم أقوامٌ من أهل يثرب، وهنتهم حمى يثرب؛ فأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - المسلمين أن يرملوا، فظهر لقريش أن المسلمين أقوياء.

قوله: (وَمَنْ مَنَعَهُ؛ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهَا" (٣).

هذا الحديث الذي أورده المؤلف، نُقِلَ في بعض كتب الحديث، كما عند ابن حبان، وأبي يعلى الموصلي، والبزَّار، واللفظ المشهور منه: "إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ"، وهذا الحديث سببه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على أم سلمة - رضي الله عنها - فوجدها قد صنعت نبيذًا في كوز، فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجده يغلي، فقال: "ما هذا؟ "، فقالت: شكت ابنتي، فصنعت لها هذا النبيذ، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ"، وفي الحديث الصحيح: "تَدَاوَوْا، وَلَا تَدَاوَوْا بِمحرَّمٍ" (٤)، فالدواء مطلوب، واللّه سبحانه وتعالى ما أنزل داءً إلا وجعل له دواء، لكن لا يجوز التداوي بالمحرم.

قوله: (وَأَمَّا جِنْسُ الشَّيْءِ الْمُسْتَبَاحِ، فَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ مُحَرَّمٍ، مِثْلَ الْمَيْتَةِ وَغَيْرِهَا).

يريد المؤلف أن يقول: وأما الشيء المستباح فهو أصلًا حرام،


(١) أخرجه ابن رشد في "جامعه" (٢٠١٥٣)، بنحو هذا اللفظ.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٣٤٦٦٣).
(٣) هو موقوف على ابن مسعود - رضي الله عنه -، أخرجه عبد الرزاق (١٧٠٩٧)، وغيره.
(٤) أخرجه أبو داود (٣٨٧٤)، وقال الأرناؤوط: صحيح لغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>