للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستبيح لسبب؛ وهو الاضطرار؛ فالميتة التي حُرِّمَت في كتاب الله عَزّ وَجلّ وفي سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - تُصبح مباحةً في حال أن يضطر المسلم إلى الأكل منها؛ لأنك إما أن تأكل فتحفظ مهجتك وتحافظ على حياتك، وإما أن تبقى بلا أكلٍ فتهلك، وبعض العلماء يرون أن من يكون في هذه الحال، ويجد ميتةً ولا يأكل منها، فإنه يكون قد تسبَّب في قتل نفسه عمدًا، فيكون مصيره النار، وقد ذكرنا الخلاف في هذه القضية فيما سبق، وعرفنا أن الأكل إنما هو للإباحة، لأن هذه رخصة، والله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معاصيه، وربما يتحرج بعض الناس فيقول: لماذا آخذ بالرخصة؟! ولكن أنت عندما تأخذ بالرخصة تكون قد استجبت لله تعالى حيث يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: ٢٤]؛ وتكون قد نزلت أيضًا عند حكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال عمر - رضي الله تعالى عنه - في قصر الصلاة في السفر: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: "صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُم، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ" (١)، فاللّه رخَّص لك بأن تأكل من هذه الميتة، فلماذا تضيق على نفسك، ولماذا ترمي بنفسك في التهلكة، ولماذا تجعل نفسك في موقفٍ يرى فيه بعض العلماء أنه لا يجوز لك أصلًا أن تفعله؟! وأنت ما أكلت الميتة رغبةً فيها، ولا تشفِّيًا، ولا مخالفًا بذلك لأمر ربك، ولا أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإنما أكلتها لأنك في حاجةٍ ألجأتك إلى ذلك.

قوله: (وَالاخْتِلَافُ فِي الْخَمْرِ عِنْدَهُمْ هُوَ مِنْ قِبَلِ التَّدَاوِي بِهَا، لَا مِنْ قِبَلِ اسْتِعْمَالِهَا فِي التَّغَذِّي).

الخمر مختلَفٌ فيها، وجماهير العلماء يرون أنه لا يجوز للإنسان أن يتداوى بها، أما بالنسبة لأبوال الإبل فالتداوي فيها ورد فيه نص، حيث أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - العُرنيين الذين جاؤوا إلى المدينة فاجتووها؛ أمرهم أن يبقوا في إبل الصدقة، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، وقد فعلوا ذلك حتى شفوا


(١) أخرجه البخاري (٢٥١٨)، ومسلم (٦٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>