للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما هو دليلٌ على جواز ذلك، ثم إن الآيات مطلقة؛ قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ١٧٣].

قوله: (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ (١)، وَأَبُو حَنِيفَةَ (٢): لَا يَأْكُلُ مِنْهَا إِلَّا مَا يُمْسِكُ الرَّمَقَ. وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ).

وهي الرواية الظاهرة القوية في مذهب أحمد.

وهذا كما قال العلماء: الضرورة تُقدَّر بقدرها؛ فأنت تنظر إلى المقام؛ إن كنت في مكانٍ مُوحِش، تحتاج إلى أن تشبع من هذه الميتة، وأن تحمل معك أيضًا لأنك لا تجد حولك أناسًا، فيجب أن تحتاط لنفسك، أما لو كنت في مكانٍ، وغلب على ظنك أو تيقنت أنك ستلحق بالآخرين، فادفع عنك وحشة الموت، وبعد ذلك ستجد - إن شاء الله - ما تأكله مما أباحه الله لك في حالة الاختيار.

قوله: (وَسَبَبُ الاخْتِلَافِ هَلِ الْمُبَاحُ لَهُ فِي حَالِ الاضْطِرَارِ هُوَ جَمِيعُهَا؟ أَمْ مَا يُمْسِكُ الرَّمَقَ فَقَطْ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَمِيعُهَا).

وهذا هو الذي أميل إليه حقيقة، وفي نظري أن مذهب مالك هذا هو أظهر الأقوال؛ كما وضحنا ذلك فيما سبق.

قوله: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} [البقرة: ١٧٣]).

وقد فصَّلنا ذلك فيما سبق؛ أنه لا بد أن يكون غير باغ على المسلمين ولا معتدٍ عليهم؛ وذكرنا قول العلماء في من سافر سفرًا محرَّمًا؛ أنه لا تباح له الرخص.


(١) يُنظر: "مختصر المزني" (٨/ ٣٩٤)؛ حيث قال: "ولا يأكل المضطر من الميتة إلا ما يرد نفسه فيخرج به من الاضطرار".
(٢) يُنظر: "التجريد" للقدوري (١٢/ ٦٣٧٩)؛ حيث قال: "قال أصحابنا رحمهم الله: لا يجوز للمضطر أن يشبع من الميتة، وإنما يأكل منها مقدار ما يمسك رمقه".

<<  <  ج: ص:  >  >>