للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللذة، وأيضًا يقيسون ذلك على المذي، ومنها كذلك وَصْف النبي -عليه الصلاة والسلام- المني بأنه ماءٌ أبيضُ غليظٌ في معرض ردِّه على سؤال أم سليم (١): هَلْ على المرأة من غسلٍ إذا هي احتلمت؟ فهذا هي أدلة هؤلاء.

أمَّا الشافعيَّة فيَسْتدلُّون بعُمُوم أدلةٍ مرَّ بنا بعضها، منها قول الرسول عليه الصلاة والسلام: "المَاء من المَاء"، فهذا ماءٌ، فيوجب الماء وهو الغسل. وقوله عليه الصلاة والسلام: "نعم، إذا رأت الماء" (٢)، فهنا أيضًا أوجب الماء.

وقالوا أيضًا: إنَّ خُرُوجَ المني عن طريق المعتاد موجب للغسل، فهذه هي أدلة هؤلاء، وتلك أدلة أولئك، فتكون هذه هي الأسباب التي دَعَتهم إلى الخلاف، ومما لا شك فيه أن مذهب الشافعية أحوط.

قوله: (أَمْ لَيْسَ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ؟).

المُؤلِّف هنا يريد أن يأخذَ بأدلةٍ عقليَّةٍ، فيقول: هل اسم الجنب ينطلق على الذي أجنب على طريقةٍ غير معتادةٍ أم ليس ينطلق؟ والطريقة المعتادة هي المعروفة الَّتي تكلم عنها الجمهور، وهي خُرُوجُ المنيِّ عن طريق اللذة.

قوله: (فَمَنْ رَأَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَنْطَلِقُ عَلَى الَّذِي أَجْنَبَ عَلَى طَرِيقِ العَادَةِ، لَمْ يُوجِبِ الطُّهْرَ فِي خُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِ لَذَّةٍ).

وهؤلاء هم الجمهور.


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (١٤٠١٠)، عن أنس بن مالك، أن أمه أم سليم، سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، فقال: "إذا رأَتْ ذلك في منامها، فلتغتسل"، فقالت أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- واستحيت: أَوَ يكون هذا يا رسول اللّه؟ قال: "نعم، فمِنْ أين يكون الشبه؟ ماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق، فمن أيهما سبق -أو علا- يكون الشبه"، وصحح إسناده الأرناؤوط.
(٢) أخرجه البخاري (١٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>