للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- وأما الذين قالوا: بأن الانقطاع للعبادة والانشغال بها والانصراف إلى أمور الآخرة هو أفضل، واستدلوا بقول الله سبحانه وتعالى عن يحيى: {وَسَيِّدًا وَحَصُوَرًا} [آل عمران: ٣٩]، وقالوا: ذكر الله ذلك في موضع المدح والثناء، وهو قد انقطع عن النساء، فأثنى الله عليه، ولو لم يكن الانقطاع للعبادة والتخلي عن الزواج أفضل لما أُثني عليه في هذه الآية.

وقال الله تعالى في ذم ما يتعلق بشأن هذا الأمر وما يقوم له: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} [آل عمران: ١٤]، فقالوا: ذكر الله ذلك في موضع الذم، هذه أدلتهم وتعليلاتهم.

ولكننا نقول: أدلة الكتاب وأدلة السنة هي خير دليل على ذلك، ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك وأنكر على ابن مظعون تبتُّله (١).

وأُثر عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "لو لم يبقَ من عمري إلا عشرة أيام، وكان عندي طَول" يعني: أستطيع الزواج "لتزوجت" (٢)، لا يريد أن يختم حياته دون أن تكون له زوجة، ولا ننس ما في الزواج من منافع كثيرة منها:

١ - استجابة لأمر الله سبحانه وتعالى.

٢ - توجيه رسوله - صلى الله عليه وسلم - إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة.


= تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم، فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
(١) معنى حديث أخرجه البخاري (٥٠٧٣) واللفظ له، ومسلم (١٤٠٢) عن سعد بن أبي وقاص، قال: "رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا".
والتبتل: الانقطاع إلى الله تعالى بالعبادة. انظر: "العين" للخليل (٨/ ١٢٤).
(٢) أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (١/ ١٦٤) عن ابن مسعود قال: "لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام، وأعلم أني أموت في آخرها يومًا، لي فيهن طول النكاح، لتزوجت مخافة الفتنة".

<<  <  ج: ص:  >  >>