للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"إن أحدكم يخلق في بطن أمه أربعين يومًا … " إلى آخره (١).

فكم من أناس قضوا أكثر عمرهم في الفقر، فإذا كانوا في أخريات حياتهم تجد أن الدنيا أصبحت تنهال وتتهافت (٢) عليهم وتنساق إليهم، وكم من أناس عاشوا في رخاء وفي ترف وفي نعيم، فانسدت عليهم المسالك، وضاقت عليهم حياتهم وماتوا فقراء، والإنسان في هذه الحياة لا يدري الخير في أن تكون فقيرًا فيعوضك الله سبحانه وتعالى عن ذلك، أو أن تكون غنيًّا؛ هذه كلها بإرادة الله سبحانه وتعالى، لكن الشيء الذي ينبغي ألا نغفل عنه "أن الدنيا لو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة لما سقى منها الكافر شربة ماء" (٣).

ولو كان في الدنيا مقام لأحد لكان محمد بن عبد الله في مقدمة أولئك، ولقد خيره الله تعالى بين أن يكون ملكًا نبيًّا، فاختار أن يكون عبدًا رسولًا (٤)، "إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله" (٥)؛ فلا ينبغي أن


(١) أخرجه البخاري (٣٢٠٨)، ومسلم (٢٦٤٣) عبد الله: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق، قال: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكًا فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع، فيسبق عليه كتابه فيعمل بعمل أهل النار، ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة".
(٢) التهافت: التساقط. انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (٢/ ٢٧٢).
(٣) معنى حديث أخرجه الترمذي (٢٣٢٠) وغيره، عن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء". وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (٩٤٣).
(٤) معنى حديث أخرجه أحمد في "مسنده" (٧١٦٠) عن أبي هريرة، قال: جلس جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فنظر إلى السماء، - فإذا ملك ينزل، فقال جبريل: إن هذا الملك ما نزل منذ يوم خلق قبل الساعة، فلما نزل قال: محمد، أرسلني إليك ربك، أفملكًا نبيًّا يجعلك أو عبدًا رسولًا؟ قال جبريل: تواضع لربك يا محمد. قال: "بل عبدًا رسولًا". وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(٥) معنى حديث أخرجه البخاري (٣٤٤٥) عمر - رضي الله عنه -، يقول على المنبر: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله".

<<  <  ج: ص:  >  >>