للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نشغل أوقاتنا في التفكير في الدنيا، فما يقدره الله لنا هو الخير، وربما تنفتح عليك الدنيا فتأخذ كثيرًا من أوقاتك عن طاعة الله.

فمعاوية صحابي جليل كان فقيرًا، ولما جاءت فاطمة بنت قيس تستشير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر أن الرجل على فضل، وأنه على خير، لكنه رجل فقير، فبين لها هذه الصفة، وإذا بالأحوال تتغير؛ يصبح هذا الرجل هو القائم على خزائن الدولة الإسلامية، القائم على مُلكها، هو الذي يعطي هذا ويمنع هذا، وكل ذلك بتوفيق الله، فهذه أمور مقدرة ينبغي أن نؤمن بها، "فما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك" (١)، فما ينزل بك إنما هو بقضاء الله وقدره.

ولذلك ترون أن العلماء الذين وقفوا حياتهم في طاعة الله وفي الدعوة إلى دينه وفي الإخلاص لهذا الدين إنما هم عزفوا (٢) عن الحياة الدنيا، صرفوا أنفسهم عنها، كانوا يخشون أن تشغلهم هذه الحياة الدنيا عن الآخرة، فهم آثروا الباقية عن الفانية، وهذا الفرق بيننا وبينهم فنحن نؤثر الفانية على الباقية،

قوله: (وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى فَسَادِ النَّهْيِ عَنْهُ؟ أَوْ لَا يَدُلُّ؟ وَإِنْ كَانَ يَدُلُّ فَفِي أَيِّ حَالَةٍ يَدُلُّ؟).

العلماء متفقون، وبعضهم حكى الإجماع على أنه يحرم على المسلم


(١) معنى حديث أخرجه أبو داود (٤٦٩٩) عن ابن الديلمي، قال: "أتيت أبي بن كعب فقلت: له وقع في نفسي شيء من القدر، فحدثني بشيء لعل الله أن يذهبه من قلبي، قال: "لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهبًا في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لدخلت النار"، قال: ثم أتيت عبد الله بن مسعود فقال مثل ذلك، قال: ثم أتيت حذيفة بن اليمان، فقال مثل ذلك، قال: ثم أتيت زيد بن ثابت فحدثني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك". وصححه الألباني في "المشكاة" (١١٥).
(٢) العزف: صرف النفس عن الشيء فتدعه. انظر: "العين" للخليل (١/ ٣٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>