للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال مالك وأبو حنيفة: للسيد أن يجبر عبده؛ أي: مملوكه على الزواج.

وقال الشافعي وأحمد (١): لا يجبره.

لماذا اختلف العلماء في ذلك؟

والجواب: الحنفية والمالكية استدلوا بقول الله - سبحانه وتعالى -: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: ٣٢]، الأيامى: جمع أيم والمراد بها هنا الحرائر من الرجال والنساء، لكن الأيم عندما تطلق يُقصد بها في الغالب المرأة الثيب كما جاء في الحديث الذي تقدم: "الأيم أحق بنفسها المرأة أحق بنفسها" (٢)، {وَأَنْكِحُوا} أي: زوِّجوا الأيامى؛ أي: الحرائر من الرجال والنساء، {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} يعني: من عبيدكم، وفي قراءة الحسن: {من عبيدكم وإمائكم} (٣)، يتمسك به الحنفية والمالكية، قالوا: هذه الآية صُدِّرت بالأمر وعطف الإماء، عُطف الصالحون على العباد الذين هم العبيد، والإماء على إمائكم وقال: على الأيامى، إذن دلَّ ذلك على اشتراك الكل في الوجوب فالآية بها الوجوب هذا أول دليل.

الدليل الثاني: دليل عقلي: السيد يملك رقبة عبده؛ بدليل أن له أن يبيعه، فإذا كان يملك رقبته فله أيضا أن يملك تَزويجه، فبملكه لرقبة عبده


(١) يُنظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (٢/ ٦٣٤)؛ حيث قال: "الشرط (الثاني: رضا زوج مكلف)؛ أي: بالغ عاقل (ولو) كان المكلف (رقيقًا) نصًّا؛ فليس لسيده إجباره، لأنه يملك الطلاق فلا يجبر على النكاح كالحر، ولأنه خالص حقه ونفعه له فلا يجبر عليه كالحر، وإنما يزوجن عند الطلب، ولأن مقتضى الأمر الوجوب، وإنما يجب تزويجه إذا طلبه، وأما الأمة فالسيد يملك منافع بضعها والاستمتاع بها بخلاف العبد، والإجارة عقد على منافع بدنه وسيده يملك استيفاءها بخلاف النكاح".
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) يُنظر: "تفسير القرطبي" (٢/ ٢٤٠)؛ حيث قال: "وقرأ الحسن": (والصالحين من عبيدكم)، وعبيد اسم للجمع".

<<  <  ج: ص:  >  >>