للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جانب كونه مُحدِّثًا وهبه الله سبحانه وتعالى حصافةً (١) ودقةً وفهمًا عميقًا في الفقه، ولذلك تجد أنه يضع التراجم التي تدل على فقهه بل إنه كثيرًا ما يضع لك الترجمة وهي جزء من حديث لا يكون على شرطه وقد يكون هذه الترجمة جزءًا أو حديثًا في صحيح مسلم أو عند أبي داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وأحمد وغير ذلك.

قوله: (يُوجِبُ بِعُمُومِهِ اسْتِئْمَارَ كُلِّ بَكْرٍ، وَالْعُمُومُ أَقْوَى مِنْ دَلِيلِ الْخِطَابِ، مَعَ أَنَّهُ خَرَّجَ مُسْلِمٌ (٢) فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ زِيَادَةً: وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ - عليه الصلاة والسلام -: "وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا"، وَهُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ).

فهذا يشهد له قصة الفتاة التي جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالت: يا رسول الله، إن أبي زوَّجني بابن أخيه ليرفع بي خسيسته؛ أي: ليجبر النقص والعيب الذي فيه، وسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشكت إليه، والرسول جعل الخيار لها، فقالت: "أجزت ما صنع والدي إلا أنني أردت أن يُعلم أن للنساء حقًّا في ذلك" (٣).

فالإسلام نظام كامل ودقيق لا تجد فيه عوجًا ولا أمتًا (٤)، ليس فيه


= بأمر لا يتضح المقصود منه إلا بالتأمل، وكثيرًا ما يترجم بلفظ يومئ إلى معنى حديث لم يصح على شرطه، أو يأتي بلفظ الحديث الذي لم يصح على شرطه صريحًا في الترجمة، ويورد في الباب ما يؤدي معناه، تارةً بأمر ظاهر وتارةً بأمر خفي، وربما اكتفى أحيانًا بلفظ الترجمة التي هي لفظ حديث لم يصح على شرطه وأورد معه أثرًا أو آية، فكأنه يقول لم يصح في الباب شيء على شرطه. لهذه الأمور وغيرها اشتهر عن جمع من الفضلاء ما أوردناه سلفًا: "فقه البخاري في تراجمه".
(١) حصافة: يقال: رجل حصيف: إذا كان جيد الرأي محكم العقل. انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (٤/ ١٤٨).
(٢) أخرجه مسلم (١٤٢١/ ٦٨).
(٣) تقدَّم تخريجه.
(٤) عوجًا ولا أمتًا: أي: لا انخفاض فيه ولا ارتفاع. انظر: "الصحاح" للجوهري (١/ ٢٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>