للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنة، ثم ذُكِّر بأنه قد أعطاها، أو وهبها لابنه داود ثم جاء الحديث يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "فنسي آدم فنسيت ذريته" (١)، إذن هذا أول نبي أرسله الله سبحانه وتعالى أرسله إلى الأرض، ومن هذا النبي خلقت زوجته حواء، ومع هذا نسي.

وإذا كان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى يقول: "إنما أنا بشر فإذا نسيت فذكروني" (٢).

وحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - انصرف من ركعتين في صلاة الظهر فلما جاءه المعروف بذي اليدين قال: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال: "ما قصرت وما نسيت"، ثم التفت إلى أصحابه فسألهم فأقروا ذا اليدين فقام - عليه الصلاة والسلام - فأتم صلاته وسجد سجود السهو (٣)، والأمثلة على ذلك كثيرة، حتى إنهم قالوا: إن الإنسان سمي إنسانًا لكثرة نسيانه (٤).

فليس من الغريب أن ينسى الزهري مع حفظه لجملة من آلاف


(١) أخرجه الترمذي (٣٠٧٦) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصًا من نور، ثم عرضهم على آدم فقال: أي رب، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلًا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي رب من هذا؟ فقال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود فقال: رب كم جعلت عمره؟ قال: ستين سنة، قال: أي رب، زده من عمري أربعين سنة، فلما قضي عمر آدم جاءه ملك الموت، فقال: أولم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أولم تعطها ابنك داود قال: فجحد آدم فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، وخطئ آدم فخطئت ذريته". وحسنه الألباني في "المشكاة" (١١٨).
(٢) أخرجه البخاري (٤٠١)، ومسلم (٨٩ - ٥٧٢)، عن عبد الله بن مسعود: "ولكن إنما أنا بشر مثلكم، أنسى ما تنسون، فإذا نسيت فذكروني".
(٣) أخرجه البخاري (٧١٤)، ومسلم (٥٧٣)، عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف من اثنتين، فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أصدق ذو اليدين" فقال الناس: نعم، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى اثنتين أخريين، ثم سلم، ثم كبر، فسجد مثل سجوده أو أطول.
(٤) روي عن ابن عباس أنه قال: "إنما سمي الإنسان لأنه عهد إليه فنسي". انظر: "تفسير الطبري" (١٨/ ٣٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>