للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُؤلِّفُ هنا أراد أن يُسمِّيه مجازًا، وَلَكن انظروا إلى عبارة الشافعي التي نقلها رَحْمَهُ الله، وهي أيضًا تفسير عبد الله بن عباس، لم يقل الشافعي: إن في الآية مجازًا، وإنما قال: إن في الآية حذفًا مقدرًا، ونقل ذلك عمَّن لهم علم بكتاب الله عَزَّ وَجَلَّ.

قال رَحْمَهُ الله: "مواضع الصلاة" (١)، لَا تَقْربوا مواضع الصلاة، إذًا هناك تقدير، فلا يلزم من أن نقدر محذوفًا أن نقول: إن ذلك مجاز.

قوله: (وَهُوَ مَوْضِعُ الصَّلَاةِ، أَيْ: لَا تَقْرَبُوا مَوْضِعَ الصَّلَاةِ، وَيَكُونُ عَابِرُ السَّبِيلِ اسْتِثْنَاءً مِنَ النَّهْيِ عَنْ قُرْبِ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ، وَبَيْنَ أَلَّا يَكُونَ هُنَالِكَ مَحْذُوفٌ أَصْلًا، وَتَكُونُ الَايَةُ عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَيَكُونُ عَابِرُ السَّبِيلِ هُوَ المُسَافِرَ الَّذِي عَدِمَ المَاءَ، وَهُوَ جُنُبٌ، فَمَنْ رَأَى أَنَّ فِي الآيَةِ مَحْذُوفًا، أَجَازَ المُرُورَ لِلْجُنُبِ فِي المَسْجِدِ، وَمَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ عِنْدَ فِي الآيَةِ دَلِيلٌ).

فَالعُلَماء عندما اختلفوا في المسائل، لَمْ يكن خلافهم تشفِّيًا ولا رغبةً في الخلاف، ولا للبحث عن توسيع ذلك وتمديد شُقَّته، إنما كلهم رحمهم الله يريد الوصول إلى الحق، هُمْ يُريدُون أَنْ يهتدوا إلى ما أرَاده الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى، وإلَى ما جَاءَ به رسولُهُ -صلى الله عليه وسلم-، هذَا هو الذي يريدون أن


= (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) … فالجواب: أن قوله: (يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ) لا مانع من حَمْله على حقيقة الإرادة المعروفة في اللغة؛ لأن الله يعلم للجمادات ما لا نعلمه لها … فلا مانع من أن يعلم الله من ذلك الجدار إرادة الانقضاض، ويجاب عن هذه الآية أيضًا بما قدمنا من أنه لا مانعَ من كون العرب تَسْتعمل الإرادة عند الإطلاق في معناها المشهور، وتستعملها في الميل عند دلالة القرينة على ذلك … والجواب عن قَوْله: {وَسْئَلِ الْقَريَةَ} من وجهين أيضًا، الأول: أن إطلاق القرية وإرادة أهلها من أساليب اللغة العربية أيضًا. الثاني: أن المضاف المحذوف كأنه مذكورٌ؛ لأنه مدلولٌ، عليه بالاقتضاء … مع أن كثيرًا من علمَاء الأُصُول يسمون الدِّلالة على المحذوف في نحو قوله: {وَسْئَلِ الْقَريَةَ}: دلالة الاقتضاء".
(١) سبق نقل قوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>