للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْعوا إليه، فَهَذا يَفْهم من الآية كذا، وذَاكَ يَفهم شيئًا آخر، هذا يَظْهر له من الحديث كذَا، وذَاك يَظهر له شيءٌ آخر، وهذا تختلف مفاهيمُهُ، ويختلف أيضًا جمعُهُم للأدلة ووُقُوفهم عليها، وصحَّتها عند بعضهم وعدم صحتها، وهناك أسبابٌ عدة تَكُون من أسباب الخلَاف بين العلماء، ولذلك هذا الخلاف بعض الناس يضيق صدره منه، لَكن هذَا الخلَاف -كمَا قُلْنا- ينتهي إلى وِفاقٍ؛ لأن أي خلافٍ يُقْصد به الحق والوصول إليه لا يُسمَّى في الحقيقة خلافًا، إنما الخلاف الذي يُرَاد به تفريق الكلمة، وشقُّ الصف، وإبعاد المسلمين بعضهم عن بعضٍ، وإثارة الفتن بينهم بأن يكون الدافع له الهوى أو التعصب الممقوت، أو أن يكون هناك حقدُ أو غير ذلك من أسبابٍ، هذا هو الذي ينبغي محاربته، لكن أن يختلف علماء في مسألةٍ ما يُحقِّق كل منهم تلك المسألة ويحررها، وينتهي فيها إلى قولٍ، هذا ما انتهى إليه، ثم بعد ذلك يأتي مَنْ بعدهم فينظر في الأقوال، ويختار منها، وقد يختار قولًا يكون الراجح سواه، وقد يوفقه الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى ويَهْتدي إلى الحقِّ، وقَدْ يكون الرأي في المَسألتين أو التَّرجيح غير ظاهرٍ، لكنه هنا يأخُذُ بما هو الأحوط، ويكون عاملًا بقول الرَّسُول عليه الصلاة والسلام: "دَعْ ما يَريبك إلى ما لا يَريبك" (١)، ولذَلكَ نُكْثر في ترداد قول العلماء في القاعدة التي صاغوها: "الخُرُوجُ من الخلَاف مُسْتحبُّ" (٢).

إذَنْ، تَرَوْن أن الخلافَ قد يتوسَّع، لكن في النهاية طالب العلم الحق يأخذ ما يظهر له أنه الحقُّ.


(١) جزء من حديث أخرجه الترمذي (٢٥١٨)، وغيره، للحسن بن عليٍّ: ما حفظت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: حفظتُ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "دَعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة"، وصححه الأَلبَانيُّ في "المشكاة" (٢٧٧٣).
(٢) يُنظر: "الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص ١٣٦) حيث قال: "فروعها كثيرة جدًّا لا تكاد تحصى، فمنها: استحباب الدلك في الطهارة، واستيعاب الرأس بالمسح، وغسل المني بالماء، والترتيب في قضاء الصلوات، وترك صلاة الأداء خلف القضاء، وعكسه، والقصر في سفرٍ يبلغ ثلاث مراحل، وتركه فيما دون ذَلكَ، وللملاح الذي يسافر بأهله وأولاده، وترك الجمع، وكتابة العبد القوي الكسوب، ونية الإمامة".

<<  <  ج: ص:  >  >>