حقيقةً هناك فرقٌ بينهما؛ لأنك إذا وكلت إنسانًا في وقت حياتك وأنت موجود فنزَّلت ذلك الإنسان منزلتك، لكن الوصية تكون بعد الموت فهي لا تنفذ إلا بعد أن يذهب حقه، وولاية الأقرب تنتهي بموته، فإذا مات انتهت ولايته، وانتقلت للذي يليه، فحقه قد انتهى، لكن الكلام لو وصَّى غيره لا تنفذ الوصية، فلا شك أن الوكالة ليست بمثابة الوصية.
وهذه مسألةٌ مهمة، والعلماء رتبوها على التأصيل، وهم دائمًا قياسهم في ذلك بالمواريث والتي نعرفها: بالفرائض، فإن قاسوا ولاية النكاح في الترتيب على الترتيب بالنسبة للعصبة في الميراث، معتبرة بالتعصيب إلا الابن، فأخرجه إبعادًا؛ يعني: الإمام مالك أراد أن يعطيه المقام الأول والدرجة الأولى، نظرًا لقربه بأمه؛ لأن له هو الأولى أن يزوج أمه، في نظر الإمام مالك، فهو بلا شك أقوى تعصيبًا من الأب وأكثر ميراثًا منه، كما تعلمون، فالأب الأقرب إلى الأم، فمالكٌ انفرد بهذا الرأي، ورأى أن الابن يُقَدَّم، وخالفه بقية العلماء فرأوا تقديم الأب.
لأنه كما ذكرنا أنهم أقرب عصبًا؛ ولأنهم أولى بالميراث، والابن يأخذ المال تعصيبًا، ولكن يبقى للأب حق؛ إذن فهو في الميراث مُقدَّمٌ على الأب.
لكن هذه القضية إذا نظرنا إليها نظرة عميقة؛ لأن المقصود من دراسة
(١) يُنظر: "التلقين" للقاضي عبد الوهاب (ص ٢٧٩)؛ حيث قال: "والولاية ولايتان: خاصة وعامة فالخاصة في أربعة أوجه: نسب أو خلافة نسب أو ولاء أو سلطان؛ فأما ولاية النسب فمستحقة بالتعصيب لا مدخل فيها لذوي الأرحام الذين لا تعصيب لهم كالأخ للأم والخال وغيرهما".