للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفقه هو: أن يتعمق الدارسُ فيه وأن يجمع الأدلة، وأن يستقري ما يتعلق بالموضوع ثم بعد ذلك يقرر الحكم فيه، فإذا نظرنا من هذه الزاوية لوجدنا أن مذهب الجمهور (١) فيها أولى؛ لأن الولاية هي: احتكام؛ لأن الولي كأنه يصدر حكمًا على هذه المرأة، فأيهما أولى أن تحتكم إلى الأصل أو الفرع؟

والجواب: الأولى أن تحتكم إلى الأصل. فهذه قاعدة نؤسسها أولًا.

ثانيًا: أن الابن موهوبٌ لأبيه، بنص القرآن الكريم كما قال الله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى} [الأنبياء: ٩٠].

وقوله تعالى: {هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} [آل عمران: ٣٨].

وقال عن الخليل إبراهيم عليه السلام: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٩)} [إبراهيم: ٣٩].

فتبينا من هذا بنص القرآن أن الابن موهوبٌ لأبيه، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أنت ومالُك لأبيك" (٢)، إذن أنت موهوبٌ ومِلكٌ لأبيك.

ويقول - عليه الصلاة والسلام -: "إن أطيَبَ ما أكل الرَّجُل من كسبِه، وإنَّ ولدَه من كسْبِه" (٣)، إذن أصبح الابن موهوبًا لأبيه، فكيف يُقَدَّم عليه الابن، فمن هذه الناحية نُقَدِّمُ الأب على الابن.

ثالثًا: ولأنه تتوفر في الأب من الصفات ما لا يوجد في غيره؛ لأن الابن يحب أمه ولا شك أن لها منزلة عظيمة عنده إلا من شَذَّ فأولئك


(١) مذهب الحنفية، يُنظر: "النتف في الفتاوى" للسغدي (١/ ٢٧٢)؛ حيث قال: "ولا ولاية للابن مع الأب في قول أبي حنيفة".
ومذهب الشافعية، يُنظر: "روضة الطالبين" للنووي (٥/ ٤٠٥)؛ حيث قال: "ويقدم من القرابة الأب، ثم أبوه، ثم أبوه، إلى حيث ينتهي".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "المغني" لابن قدامة (٧/ ١٦)؛ حيث قال: "الولاية بعد من ذكرنا تترتب على ترتيب الإرث بالتعصيب، فأحقهم بالميراث أحقهم بالولاية، فأولاهم بعد الآباء بنو المرأة، ثم بنوهم وإن سفلوا، ثم بنوا أبيها وهم الإخوة".
(٢) أخرجه ابن ماجه (٣٤٧٧)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (٢/ ١١٣٨).
(٣) أخرجه ابن ماجه (٢١٣٧)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (٢١٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>