للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا قول مالك ومعه جمهور العلماء (١): تنتقل إلى الأبعد، فلو غاب الأب انتقلت إلى الأخ إن كان هو الذي يليه.

أما الشافعي فيقول: تنتقل إلى السلطان، وعلل وقال: لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" (٢)، فالشافعية يقولون: إذا غاب الأقرب فليس للأبعد أن يُزوِّج؛ لأن الأقرب يحجب الأبعد، فلو قُدِّر أنه موجود يحجبه، فكذلك ما دام موجودًا على هذه الحياة الدنيا فالحجب لا يزال قائمًا؛ إذن لا يجوز أن تنتقل للأبعد، فالحل قالوا: نحسم الخلاف في الرجوع إلى السلطان كما قال - عليه الصلاة والسلام -.

والجمهور ردُّوا وقالوا: يأتي حق السلطان إذا فُقد الأولياء جميعًا، ولكن هل الغيبة بمنزلة الموت؟

والجواب: إذا مات انقطعت ولايته، والشافعية يقولون: الغيبة ليست بمنزلة الموت؛ لأنه لا تدري اليوم أو غدًا أو بعد سنة فيأتي؛ لأنه لا يزال على قيد الحياة؛ إذن الحجب قائم المنع، لا شك أن مذهب الجمهور أولى في هذه المسألة، فما دام هذا الرجل قد ذهب وانقطع ولا ندري أين هو وربما مات، فينبغي أن تنتقل الولاية إلى الولي الأقرب فهو الأولى (٣).

قوله: (وأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: وَهِيَ غَيْبَةُ الأب عَنِ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ: فَإِنَّ فِي الْمَذْهَبِ فِيهَا تَفْصِيلًا وَاخْتِلَافًا، وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلى بُعْدِ الْمَكَانِ وَطُولِ الْغَيْبَةِ أو قُرْبِهِ، وَالْجَهْلِ بِمَكَانِهِ أو الْعِلْمِ بِهِ، وَحَاجَةِ الْبِنْتِ إلى


(١) وهم الحنفية والمالكية والحنابلة، وتقدم مذهب المالكية والحنابلة.
ومذهب الحنفية، يُنظر: "الهداية" للمرغيناني (١/ ٢٠٠)؛ حيث قال: "فإذا غاب الولي الأقرب غيبة منقطعة جاز لمن هو أبعد منه أن يزوج".
(٢) أخرجه أحمد (٢٤٣٧٢)، وقال الأرناؤوط: "حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف ابن لهيعة. وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين".
(٣) يُنظر: "المغني" لابن قدامة (٧/ ٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>