للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَعِيَّتِهِ" (١)، فالسلطان يعطي صلاحياته في هذه الأمور للقاضي، فيُلزمه بتزويجها.

كما لو أن إنسانًا امتنع عن النفقة على أولاده فيلزمه القاضي بالإنفاق؛ إذن السلطان القاضي حكمٌ عدلٌ في هذا المقام.

فهناك فرقٌ بين القاضي والمفتي: فإذا جئت تستفتي عن مسألة فتخبر بحكم الشرع فيها ولا تلزم بالعمل بها، لأنه ليس لدى المفتي أن يلزمك.

لكن عندما تذهب في قضية بين خَصمين إبى القاضي، فإما أن يُصلح والصلح خير، كما قال الله تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: ١٢٨].

وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "الصلح خير، إلا صلحًا حرَّم حلالًا أو أحل حرامًا (٢) "، فهذا لا يجوز.

فإذا لم يمكن الصلح فحينئذٍ يحكم، وحكم القاضي إلزامي، ويحكم بما تكون عنده الأدلة من الشهود وغيرها، لكن هو لا يعلم ما في قلوب الناس، ولا يعلم ما تُكِنُّ صدورهم.

وإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - البشير النذير الذي نزل عليه الوحي يقول: "إنكم تختصمون إليَّ، فأحكم بينكم وقد يكون أحدكم ألحن بحجته من الآخر فأقضي على نحو مما أسمع"؛ يعني: بعض الناس يهبه الله القوة والقدرة على البلاغ، والبيان، والتأثير، تتوارد عليه الحجج والمعاني، فتجد أنه قوي الحجة، فربما يغلب خصمه، من هذه الناحية، وتجد الآخر مسكينًا لا يستطيع أن يتكلم، فيأتي مثلًا الحاكم فيحكم في المسألة بالذي ظهر له، ولكن هل إذا حكم لك الحاكم يصبح ذلك حلالًا لك وأنت تعلم


(١) أخرجه البخاري (٨٩٣)، ومسلم (١٨٢٩).
(٢) أخرجه أبو داود (٣٥٩٤)، ولفظه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا". وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (١٣٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>