للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل هي من شروط الصحة أم اللزوم؟ لأننا إذا قلنا هذا شرطٌ لازم، بمعنى: إذا طولب به الإنسان وفَّى، أما إذا قلنا هي من شروط الصحة فمعنى ذلك لو حصل عقدٌ ووجد أن هذا الشرط غير متوفر فإن النكاح يكون غير صحيح، كالحال بالنسبة للحرية، كما سنبين ذلك إن شاء الله.

قوله: (إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِنْ إِسْقَاطِ اعْتِبَارِ الدِّينِ) (١).

مراد محمد بن الحسن هنا يقصد بإسقاط الدين ما يتعلق بالكفر؛ يعني: الفسق لا يؤثر يُزوَّج الفاسق، إلا أن يكون مثلًا شاربًا للخمر يخرج بحيث يضحك به الصبيان؛ أي: ممن يرتكب الكبائر، لكن الحقيقة جمهور العلماء (٢) خالفوه في هذه المسألة، فلا توازن بين العفيفة وبين الفاسق.

قوله: (وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْمَذْهَبُ (٣) أَنَّ الْبِكْرَ إِذَا زَوَّجَهَا الْأَبُ مِنْ شَارِبِ الْخَمْرِ، وَبِالْجُمْلَةِ مِنْ فَاسِقٍ - أن لَهَا أن تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنَ النِّكَاحِ).

فالأب كما ذكرنا له أن يجبر البكر، ولكن ليس له أن يجبرها على التزويج بغير كفء، فلو أن أبًا تساهل في أمر ابنته وأراد أن يُزوِّجها فاسقًا، فللبنت أن تعترض عليه وأن تمتنع؛ لأن الكفاءة بين الزوجين غير متوفرة، هذه بنت عفيفة وهذا رجلٌ فاسق فلا يُجمَعُ بينهما.

أما ما يتعلق بالموافقة فهذا يحتاج إلى تحديد الفسق، فإذا كان


(١) يُنظر: "الهداية" للمرغيناني (١/ ٢٠١)؛ حيث قال: "قال محمد - رحمه الله -: لا تعتبر لأنه من أمور الآخرة فلا تبتنى أحكام الدنيا عليه إلا إذا كان يصفع ويسخر منه أو يخرج إلى الأسواق سكران ويلعب به الصبيان لأنه مستخف به".
(٢) مذهب المالكية، يُنظر: "عقد الجواهر الثمينة" لابن شاس (٢/ ٤٢٤)؛ حيث قال: "الدين، وهو معتبر في الكفاءة بلا خلاف".
ومذهب الشافعية، يُنظر: "الحاوي الكبير" للما وردي (٩/ ١٠١)؛ حيث قال: "وهو الدين فإن اختلافهما في الإسلام والكفر كان شرطًا معتبرًا بالإجماع".
(٣) يُنظر: "مواهب الجليل" للحطاب (٣/ ٤٦٠)؛ حيث قال: "إذا زوج الأب ابنته البكر من رجل سكير فاسق لا يؤمن عليها لم يجز وليرده الإمام وإن رضيت هي به".

<<  <  ج: ص:  >  >>