للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينظر إلى كونه مولى، ولكنه كان رجلًا صالحًا، فما كان منه إلا أن زوَّجه امرأةً من الأنصار، فالتقوى هي الأصل، لكن لو وُضعَ هذا الشرط فإنَّه يُوفَّى.

كما في قصة بريرة، وكانت مملوكة، وسعت في عتق نفسها، وطلبت من عائشة - رضي الله عنها - أن تعينها على ذلك، فاشترت نفسها من مواليها، وكانوا قد اشترطوا أن يكون لهم الولاء، فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "اشترطي لهم الولاء، كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط" (١)، ثم إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد أن تغيرت حالها من الرق إلى الحرية خيرها بين أن تبقى مع زوجها مغيث وكان عبدًا وبين أن تَنفصل عنه وتتركه، فاختارت فراقه، فأثر ذلك على الرجل، وتألم كثيرًا؛ لأن نفسه تعلقت بها، وشق عليه أن تفارقه، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو راجعتيه"، فقالت: يا رسول الله، أتأمرني؟ إن كنت تأمرني فليس لي إلا السمع والطاعة، فقال الرسول - عليه الصلاة والسلام - لها: "إنما أنا شفيعٌ ولست بآمر" فقالت: لا حاجة لي به (٢).


= شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق".
(١) أخرجه البخاري (٥٢٨٣) عن ابن عباس: أن زوج بريرة كان عبدًا يقال له مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعباس: "يا عباس، ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثًا" فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"لو راجعته" قالت: يا رسول الله، تأمرني؟ قال: "إنما أنا أشفع" قالت: لا حاجة لي فيه.
(٢) يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (٩/ ٤١٢ وما بعدها)؛ حيث قال: "جمعوا الفوائد المستنبطة من حديث بريرة، ومن ذلك: أن من أدى أكثر نجومه لا يعتق تغليبًا لحكم الأكثر، وأن من أدى من النجوم بقدر قيمته يعتق، وأن من أدى بعض نجومه لم يعتق منه بقدر ما أدى؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن في شراء بريرة من غير استفصال، وفيه جواز بيع المكاتب والرفيق بشرط العتق، وأن بيع الأمة المزوجة ليس طلاقًا كما تقدم تقريره قريبًا، وأن عتقها ليس طلاقًا ولا فسخًا لثبوت التخيير؛ فلو طلقت بذلك واحدة لكان لزوجها الرجعة ولم يتوقف على إذنها أو ثلاثًا لم يقل لها: لو راجعته لأنها ما كانت تحل له إلا بعد زوج آخر، وأن بيعها لا يبيح لمشتريها وطأها؛ لأن تخييرها يدل على بقاء عَلَقة العصمة، وأن سيد المكاتب لا يمنعه من الاكتساب،=

<<  <  ج: ص:  >  >>