للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإجماع أقوى؛ ولذلك تجدون أن علماء الأصول يُفرِّقون بين: أجمعوا، وبين: اتفقوا، فيقولون: أجمعوا: الذين يُعتد بقولهم في الإجماع مُسَلَّمٌ بهذا، أما اتفقوا: معنى ذلك أن هناك خلافًا لكن الخلاف ضعيف، وربما يكون شاذًّا فلا يُعتد به (١).

قوله: (وَأَبُو حَنِيفَةَ (٢) يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عِنْدَهُ بِالشَّهَادَةِ هُوَ الْإِعْلَانُ فَقَطْ، وَالشَّافِعِيُّ (٣) يَرَى أَنَّ الشَّهَادَةَ تَتَضَمَّنُ الْمَعْنَيَيْنِ؛ أَعْنِي: الْإِعْلَانَ وَالْقَبُولَ. وَيذَلِكَ اشْتَرَطَ فِيهَا الْعَدَالَةَ، وَأَمَّا مَالِكٌ (٤) فَلَيْسَ تَتَضَمَّنُ عِنْدَهُ الْإِعْلَانَ إِذَا وُصِّيَ الشَّاهِدَانِ بِالْكِتْمَانِ، وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هَلْ مَا تَقَعُ فِيهِ الشَّهَادَةُ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ السِّرِّ أَمْ لَا؟، وَالْأَصْلُ فِي اشْتِرَاطِ الْإِعْلَانِ قَوْلُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ". خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ (٥)).


(١) فإن من الأئمة من لا يفرق بين الإجماع والاتفاق، ويرى أنها من المترادفات، فيطلق على المسألة الواحدة إذا أراد حكاية الإجماع فيها كلمة (الإجماع) و (الاتفاق)، ومن هؤلاء الأئمة ابن عبد البر، والنووي. انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٦/ ٢٨٥)، و"شرح مسلم " للنووي (٦/ ١١٠).
ووجه الفرق بين الإجماع والاتفاق عند كثير من الأئمة: أن الإجماع يراد به إجماع الأمة، وأما الاتفاق يراد به اتفاق أصحاب المذهب.
قال العدوي في "حاشيته": " (قوله: وبغيرها اتفاقًا) الأولى وبغيرها إجماعًا لأن الاتفاق اتفاق المذهب، والإجماع إجماع الأمة". "حاشية العدوي على الخرشي" (١/ ١٥٨).
(٢) يُنظر:"بدائع الصنائع" للكاساني (٢/ ٢٥٥)؛ حيث قال: "وأما عدالة الشاهد فليست بشرط لانعقاد النكاح عندنا فينعقد بحضور الفاسقين".
(٣) يُنظر: "منهاج الطالبين" للنووي (ص ٢٠٦)؛ حيث قال: "ولا يصح إلا بحضرة شاهدين وشرطهما حرية وذكورة وعدالة".
(٤) يُنظر: "الذخيرة" للقرافي (٤/ ٤٠٠)؛ حيث قال: "اختلف فيه؛ فقيل: ما أمر الشهود يكتمانه وإن كثروا. وقيل: ما عقد بغير شهادة ولو بامرأة وعلى … وهو قول مالك وأصحابه وإذا لم يؤمر الشاهدان بالكتمان".
(٥) لم نقف عليه عند أبي داود.

<<  <  ج: ص:  >  >>