للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن مثل هذه الأمور لم تأت على خلاف القياس، وإنما جاءت على وفق القياس ولكن قوله: استثني منها بعض الأشياء هذا من باب التيسير على الناس فشريعتنا الإسلامية الخالدة بُنيت على أسس وقواعد، ومن هذه القواعد التيسير ورفع الحرج (١)، والرسول - صلى الله عليه وسلم - ما خُير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا (٢). وقال: "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا" (٣). والأدلة في ذلك كثيرة.

إذن هذه الشريعة قامت على التيسير والتخفيف كما قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (٢٨)} [النساء: ٢٨]، فكون الصداق يكون نتيجة إجارة فيلتقي بذلك مع روح الشريعة ولا يتعارض معها.

وأما دعوى أن الإجارة استثنيت كبعض الأحكام الأخرى فهذا حقيقة غير وارد؛ لأن الإجارة إنما أقرت ببعض المصالح، والشريعة بُنيت على مراعاة مصالح الناس، وهذا أصل من الأصول، فالذين قالوا باعتبار الإجارة هم أقرب إلى روح هذه الشرعية وإلى مقاصدها التي استمدت من كتاب الله - عز وجل - ومن سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والإجارة تختلف عن الملك؛ لأنها عقد على المآل، وبعض الناس يفهم أن الإجارة جاءت على خلاف


= أن يتناقض قياس صحيح ونص صحيح، كما لا يتناقض معقول صريح ومنقول صحيح، بل إذا ظن بعض الناس تعارض النص والقياس، كان أحد الأمرين لازمًا: إما أن القياس فاسد، وإما أن النص لا دلالة له".
(١) وأصل ذلك قوله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، وقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} ولذلك فإن هذا الأصل صار من القواعد الكلية الكبرى في الفقه الإسلامي وهو ما يعرف عند العلماء بالمشقة تجلب التيسير أو ما عبر به البعض بقولهم: إذا ضاق الأمر اتسع، فكلما كان في الأمر مشقة وحرج كلما ارتفعت تلك المشقة وذلك الحرج بأصل الشريعة، وفروعها أكثر من أن تحصى في الشريعة. انظر: "الأشباه والنظائر" للسيوطي (١/ ٤٩).
(٢) أخرجه البخاري (٣٥٦٠)، ومسلم (٢٣٢٧).
(٣) أخرجه البخاري (٦٩)، ومسلم (١٧٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>