للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو أقوى وأقرب للعدل والإنصاف؛ لأن الولي يعفو عن حق غيره، وهذا حق المرأة فهي بحاجةٍ إليه، لكن لو أن الزوج انتقل إلى درجة الكرم والمكارمة في هذا المقام، وتجاوز عن هذا الحق فيكون بذلك حفظٌ لذلك وعدم قطعٍ لما أشار الله - سبحانه وتعالى - إليه بقوله: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: ٢١]، وقوله تعالى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}.

قوله: (وَذَلِكَ فِي لَفْظَةِ "يَعْفُو" فَإِنَّهَا تُقَالُ فِي كلَامِ الْعَرَبِ مَرَّةً بِمَعْنَى يُسْقِط، وَمَرَّةً بِمَعْنَى يَهَبُ، وَفِي قَوْلِهِ: {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧] عَلَى مَنْ يَعُودُ هَذَا الضَّمِيرُ؟ هَلْ عَلَى الْوَلِيِّ؟ أَوْ عَلَى الزَّوْجِ؟ فَمَنْ قَالَ: عَلَى الزَّوْجِ جَعَلَ "يَعْفُوَ" بِمَعْنَى يَهَبُ، وَمَنْ قَالَ: عَلَى الْوَلِيِّ جَعَلَ "يَعْفُوَ" بِمَعْنَى يُسْقِطُ (١)، وَشَذَّ قَوْمٌ فَقَالُوا: لِكُلِّ وَليِّ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ الْوَاجِبِ لِلْمَرْأَةِ (٢)، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَانِ الاحْتِمَالَانِ اللَّذَانِ فِي الْآيَةِ عَلَى السَّوَاءِ).

المؤلف يشير إلى أنه يميل للرأي الذي رجَّح؛ أي: عفو الزوج؛ لأن هناك طرفين، والمهر متنصف بينهما، نصفه للزوجة، ونصفه للزوج،


= بعد العقد هو الزوج، فإنه يتمكن من قطعه وفسخه وإمساكه، وليس إلى الولي منه شيء، ولأن الله تعالى قال: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} والعفو الذي هو أقرب إلى التقوى هو عفو الزوج عن حقه، أما عفو الولي عن مال المرأة، فليس هو أقرب إلى التقوى، ولأن المهر مال للزوجة، فلا يملك الولي هبته وإسقاطه، كغيره من أموالها وحقوقها، وكسائر الأولياء، ولا يمتنع العدول عن خطاب الحاضر إلى خطاب الغائب … ".
(١) يُنظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (١/ ٢٩٥)؛ حيث قال: "قوله: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ}؛ يعني: يسقطن. وقوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} لا يتصور الإسقاط فيه إلا من الولي؛ فيكون معنى اللفظ الثاني هو معنى اللفظ الأول بعينه، وذلك أنظم للكلام".
(٢) يُنظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٥/ ٤٣٠)؛ حيث قال: "وقال الليث بن سعد لأبي البكر أن يضع من صداقها عند عقد نكاحها، وإن كان تزوجها بأقل من مهر مثلها وإن كرهت ويجوز ذلك عليها".

<<  <  ج: ص:  >  >>