للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن عفت الزوجة فلها ذلك، وإن عفا الزوج فله ذلك، لكن الولي لا دخل له في الأمر، فهذا الذي يُفهَم من الآية، وهذا الذي لاحظه المؤلف ملاحظةً جيدة في هذا المقام.

قوله: (لَكِنَّ مَنْ جَعَلَهُ الزَّوْجَ فَلَمْ يُوجِبْ حُكْمًا زَائِدًا فِي الْآيَةِ؛ أَيْ: شَرْعًا رائِدًا؛ لِأَنَّ جَوَار ذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ ضَرُورَةِ الشَّرْعِ. وَمَنْ جَعَلَهُ الْوَلِيَّ؛ إِمَّا الْأَب، وَإِمَّا غَيْرُهُ - فَقَدْ زَادَ شَرْعًا، فَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِدَلِيلٍ يُبَيِّنُ بِهِ أَنَّ الْآيَةَ أَظْهَرُ فِي الْوَلِيِّ مِنْهَا فِي الزَّوْجِ وَذَلِكَ شَيْءٌ يَعْسُرُ).

ليس القصد أنه زاد شرعًا بمعنى: أنه شرَّع في دين الله، كما يفعل القانونيون، وإنما هذا فهم اختلف فيه العلماء، والحقيقة الذي جعلني أرجح أنه الزوج قوله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}، لأن هذا أوثق بالزوج من الولي؛ لأن الولي ليس من حقه أن يعفو عن حق غيره، والمؤلف - رحمه الله - مالكي المذهب، ومع ذلك تجد أنه في إشاراته يخالف مذهب مالك، وهذا هو طالب العلم الحقيقي الذي يريد أن يدرس الفقه، وأن يصل إلى الحق من أقرب طرقه وأيسره ينبغي له أن يدع التعصب عنه بعيدًا، وألا يتحيز لأيِّ مذهب، حتى وإن كنت قد درست هذا المذهب دراسة جيدة؛ لأن من الممكن أن يكون هذا المذهب الذي خالفته هو الأقوى، وينبغي دائمًا أن يسير طالب العلم مع الدليل أينما كان وحيثما وجد من كتاب الله - عز وجل - ومن سنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهؤلاء الأئمة الذي ننهل (١) من معين (٢) فقههم، ونأخذ من كنوزهم، هذا هو منهجهم الذي أسسوه ووضعوه لنا: ألَّا نتعصب لآرائهم، وألَّا نأخذ بقول أحد منهم مع وجود نص يخالفه، وكلامهم في ذلك معروف ومشهور.


(١) يقال: نهل ينهل نهلًا، إذا شرب. والناهل: الذي قد شَرِب حتى رَوِي. انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (٦/ ١٦٠)، "النهاية في غريب الحديث والأثر"، لابن الأثير (٥/ ١٣٨).
(٢) المعين: الجاري الظاهر. انظر: "الزاهر في معاني كلمات الناس"، لابن الأنباري (٢/ ٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>