للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (وَشَذَّ قَوْمٌ فَقَالُوا: يَجُوزُ أَنْ تَهَبَ مَصِيرًا؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٧)} [البقرة: ٢٣٧]، وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي الْمَرْأَةِ إِذَا وَهَبَتْ صَدَاقَهَا لِزَوْجِهَا، ثُمَّ طُلِّقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ - فَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ (١). وَقَالَ الشَّافِعِيُّ (٢): يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصفِ الصَّدَاقِ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلِ النِّصْفُ الْوَاجِبُ لِلزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ هُوَ فِي عَيْنِ الصَّدَاقِ؟ أَوْ فِي ذِمَّةِ الْمَرْأَةِ؟ فَمَنْ قَالَ: فِي عَيْنِ الصَّدَاقِ - قَالَ: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الصَّدَاقَ كُلَّهُ (٣)، وَمَنْ قَالَ: هُوَ فِي ذِمَّةِ الْمَرْأَةِ - قَالَ: يَرْجِع، وَإِنْ وَهَبَتْهُ لَه، كلمَا لَوْ وَهَبَتْ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهَا (٤)، وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ الْقَبْضِ وَلَا قَبْضٍ، فَقَالَ:


(١) يُنظر: "الشرح الكبير" للشيخ الدردير (٢/ ٣٢٤)؛ حيث قال: " (وإن وهبت) الرشيدة (له)؛ أي: للزوج بعد العقد وقبل البناء (الصداق) المسمى قبل أن تقبضه منه (أو) وهبت له من خالص مالها قبل العقد أو بعده (ما)؛ أي: شيئًا (يصدقها به قبل البناء جبر على دفع أقله) وهو ربع دينار أو ثلاثة دراهم؛ حيث أراد الدخول فإن طلق فلا شيء عليه في الصورتين، ويستمر الصداق ملكًا له في الأولى ويرده لها في الثانية". وانظر: "الإشراف" للقاضي عبد الوهاب (٢/ ٧٢٠).
(٢) يُنظر: "نهاية المحتاج" للرملي (٦/ ٣٦٣)؛ حيث قال: " (ولو) (وهبته) له بلفظ الهبة بعد قبضها له والمهر عين (ثم طلق) مثلًا قبل وطء، (فالأظهر أن له نصف بدله) من مثل أو قيمة لا بدل نصفه وذلك لعوده إليه بملك جديد فأشبه ما لو وهب ما اشتراه من بائعه ثم أفلس بالثمن فإن البائع يضارب به".
(٣) يُنظر: "الإشراف على نكت مسائل الخلاف" للقاضي عبد الوهاب (٢/ ٧٢٠)؛ حيث قال: "فدليلنا قوله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ}؛ فبين أن الزوج يستحق النصف بحيث تستحق المرأة النصف؛ لأنه قرن ذلك بالحال التي تملك فيها العفو، وذلك لا يكون إلا مع بقاء الصداق على ملكها، ولأن كل امرأة لم يحصل لها بالطلاق نصف الصداق من جهة الزوج لم يستحق الزوج عليها نصفًا آخر، أصله إذا لم يسم صداقًا، ولأن الصداق بهبتها إياه قد صار ملكًا له، فلو استحق عليها بكل النصف لكان قد حصل له البدل والمبدل، وذلك خلاف الأصول".
(٤) يُنظر: "أسنى المطالب"، لزكريا الأنصاري (٣/ ٢١٩)؛ حيث قال: " (فيمن وهبت =

<<  <  ج: ص:  >  >>